مؤتمرات:
مؤتمرات لجنة حقوق المرأة اللبنانية
المؤتمر
التاسع عشر
للجنة حقوق
المرأة اللبنانية
الدولة المدنية الديمقراطية
بيروت 11/3/2017
تقديم : عائدة نصر الله
مقدمة
" المؤتمر التاسع عشر للجنة حقوق المرأة اللبنانية، محطة على طريق
النضال الطويل من أجل بناء الدولة المدنية الديمقراطية " هو عنوان
هذه الجلسة، وهي الحلقة الثالثة المستندة إلى سلسلة طاولات مستديرة
أقامتها اللجنة تحضيراً لمؤتمرها التاسع عشر تحت هذا العنوان؛
فكانت الطاولة التي انعقدت في بيروت بتاريخ 21/3/2016، حاضر فيها
حول الموضوع الدكتور حسن كريم، ثم الطاولة التي عقدت في الجبل في
مدينة عاليه بتاريخ 2 نيسان 2016، والتي قدمت فيها الأستاذة ماري
روز زلزل ورقة بحثية حول الموضوع. كما عقدت طاولة في الشمال، في
أميون – الكورة في 2 أيار 2016، حاضر فيها كل من الأستاذة غادة
ابراهيم والأستاذ أديب نعمه.
تجدر الإشارة إلى أن أوراق العمل المقدمة من المحاضرين تضمنت آراء
وتحليلات واقتراحات غاية في الأهمية، مضافاً إليها مداخلات الحضور
ونقاشاتهم؛ مما أفسح المجال لإغناء بحثنا هذا، كما لتوسيع آفاق
الرؤى على طريق دولة مدنية ديمقراطية؛ طالما كانت الحلم...
فانطلاقاً مما تقدم، ومن رؤية لجنة حقوق المرأة اللبنانية لموضوع
البحث، إضافة إلى ما تسمح به الامكانات والوقت المتاح لي من قدرة
على الإحاطة بالموضوع، أشير اولاً إلى أن طرح موضوع الدولة المدنية
الديمقراطية يأتي من منطلق غيرتنا على هذا الوطن، على بقائه ووحدته
واستقلاله وتقدمه، كما على ترسيخ قيم العدالة والديمقراطية فيه.
فما هي الدولة المدنية ؟
هي أولاً، ليست دولة دينية تطبق أحكام الشريعة الدينية، أو،
بالضرورة تلك، المستوحاة منها، كما هو معمول به في بعض الدول
الإسلامية اليوم، أو غير الإسلامية فيما مضى من الزمن، والتي يكون
فيها لعلماء الدين سلطة تفسير وتطبيق الأحكام الدينية الشرعية على
المواطنين، إضافة إلى أنّ المجتمع في هذه الدول محكوم بالثقافة
الدينية، وبالدين عامّة كمرجعية قانونية وثقافية واجتماعية.
وهي ثانياً، أي الدولة المدنية، وبشكل أساس، عكس الدولة العسكرية
التي تطبق نظاماً يفرضه الحاكم العسكري، ولا مصدر للتشريع فيها إلا
إرادة هذا الحاكم ومن يعاونه من العسكريين، وهو نوع من الحكم الذي
يحصل بفعل انقلاب عسكري أو ثورة أو أي طريقة أخرى أوصلت العسكر إلى
الحكم.
أيها الحضور الكريم،
أردت أن أُطل على مفهوم الدولة المدنية التي نصبو إليها، بداية عبر
توضيح موجز لنقيضيها : الدولة الدينية والدولة العسكرية – من باب
توضيح الأمر عبر تبيان نقيضه؛ ولكن الدولة المدنية لا يمكن أن
يفهم إصرارنا عليها او قناعتنا بها، بل لا يمكن أن تشكل هدفاً
إصلاحياً، إلا لأنها الوحيدة بين أنماط الحكم التي تشكل الأرضية
الصالحة لتنامي الديمقراطية وترسيخها. فالفكر البشري المستنير،
والتجربة الإنسانية عبر العصور، أكدا أن كرامة الإنسان وحفظ حقوقه
وصون حرياته، تتطلب أن تنعم المجتمعات الإنسانية بالحكم الديمقراطي
الذي يقوم على مشاركة الشعب، أفراداً وجماعات في صنع القرار،
باعتباره، أي الشعب، مصدر السلطات التي يمارسها من خلال المؤسسات
الدستورية : سلطة تشريعية منتخبة دورياً وديمقراطياً تمثل
المواطنين، رجالاً ونساءً، تمثيلاً صحيحاً وعادلاً، إضافة إلى سلطة
تنفيذية مسؤولة، وسلطة قضائية مستقلة تحمي الحقوق والحريات وتردع
المعتدين دون هيمنة أو إملاءات من الزعماء، والذي يقوم أيضاً على
المساءلة والمحاسبة والشفافية وحكم القانون العادل، مقرونة بسياسة
إقتصادية تتيح للجميع كسب معيشتهم، إضافة إلى تكافؤ الفرص وتوزيع
عادل للثروة مصحوب بخدمات صحية واجتماعية عامة.
الواقع اللبناني وموضوع البحث
نحن في لبنان لسنا في دولة عسكرية، ولسنا في دولة دينية، كما أننا
لسنا كذلك في دولة مدنية ديمقراطية ! فالسعي إلى مدنية الدولة
يفترض المقاربة العقلية والمنطقية لكل المسائل المتعلقة بشؤون
الحكم والسياسة ومؤسسات الدولة وقضايا المجتمع والاقتصاد والبيئة
وسوى ذلك ...وأهم ما يميز الدولة المدنية أنها قابلة للتطور تبعاً
للتغيير الحاصل في المجتمع وتطور حاجاته : فقوانيها ونظمها مدنية
قابلة للتغيير والتعديل بما يتلاءم مع ما التزم به لبنان في مقدمة
دستوره : بالمواثيق الدولية والإعلان العالمي لحقوق الإنسان؛ وذلك
ممكن في الدولة المدنية كونها لا تستند إلى ثوابت وعقائد دينية غير
قابلة للتغيير. دولة مدنية علمانية تفصل بين الدين وشؤون الحكم
والدولة، وذلك احتراماً لقدسية الدين وإجلالاً له، دولة تحقق
المساواة في المواطنة وتعتمد دستوراً يكرس الحقوق ويحميها بقوانين
مدنية عادلة تطبق على الجميع دون تمييز؛ دولة تؤمن التداول السلمي
للسلطة عبر انتخابات حرّة ديمقراطية لا طائفية ولا مذهبية، دولة
تدعم تطوير صحافة حرّة ومسؤولة عن تشكيل رأي عام يعزّز الانتماء
إلى الوطن.
فإذا كانت هذه هي المبادئ التي ترتكز عليها الدولة المدنية
الديمقراطية فيجدر السؤال :
أين نحن منها في لبنان ؟
إننا بالطبع في دولة لا دينية ، ولكنها قائمة على المحاصصة
الطائفية والمذهبية والتي تشكلت نتيجة إرادة استعمارية بعد الحرب
العالمية الأولى في عشرينات القرن الماضي. وقد حمل هذا النظام
وهذه البيئة الطائفية ، بذور تفجير دائمة وأنتج إلى الآن خمس حروب،
ويعد بالمزيد...
أما اتفاق الطائف الذي شكل بجانب منه أساساً لوقف الحرب الأهلية،
فلم يضع لبنان على طريق التطور السياسي الديمقراطي، رغم التوجه
الذي تضمنه والذي كرس في الدستور بصدد إلغاء الطائفية وتعزيز دور
المؤسسات، (المادة 95) كون تطبيق بنوده جاء استنسابياً ولم يُستفد
من بعض الإصلاحات الإيجابية التي تحدثت عن إلغاء الطائفية السياسية
وقانون انتخاب خارج القيد الطائفي ( المادة 24) وتشكيل مجلس شيوخ،
كما عن مرحلة انتقالية يجري فيها إلغاء الطائفية في الإدارات
العامة.. وصولاً إلى إلغاء الطائفية بالكامل (المادة 95)، وكون
طبيعة الاتفاق غلبت الجانب الطائفي على ما عداه وأعادت رسم
التوازنات الطائفية بما يتلاءم مع الوضع المستجد على الصعيدين
الداخلي والخارجي؛ مما انعكس تعميقاً أكبر للتبعية والمحسوبيات
وإلى اتجاه إلى تبادل المنافع والريوع السياسية والاقتصادية
والمحاصصة بين أطراف السلطة الطائفية والمذهبية على حساب المؤسسات؛
مضافاً إليها ما تكرس في الممارسة بعد اتفاق الدوحة من طروحات
المشاركة والديمقراطية التوافقية والثلث المعطل والثلث الضامن...
مما عطل العملية السياسية والمؤسسات وزاد من حدة الشحن الطائفي
والمذهبي، وأصبح الارتباط بالخارج وبمشاريعه وجهاً من أوجه الصراع.
ومما فاقم الخطر المحدق بلبنان؛ التهديد الإسرائيلي الدائم
والاستمرار باعتداءاته على لبنان وخرق سيادته وإقامة المناورات
والاستعدادات التي تخفي أطماع إسرائيل في أرضنا ومياهنا وثرواتنا..
وهي لا تزال، إلى ذلك تحتل جزءاً من أرضنا، إضافة إلى أنها تشكل
نموذجاً للدولة الدينية اليهودية التي يشيع لها بشكل سافر اليوم
وذلك بدعم متزايد من الإدارة الأميركية الجديدة، مما تستدعي ضفر
الجهود؛ دولة وشعباً ومقاومة، مقاومة وطنية ملتحمة بالشعب كل الشعب
في إطار جبهة وطنية حصينة لمقاومة العدو وتحرير الأرض.
إضافة إلى ذلك هناك خطر الإرهاب، الذي يمثل هو الآخر
عدواناً على لبنان ويهدد وحدته وسيادته، وهو أداة فتنة على قاعدة
الانقسامات العمودية التي يولدها النظام الطائفي.
إن التصدي لظاهرة الإرهاب هذه لن يكون سهلاً في ظل النظام السياسي
الطائفي؛ فمن طائف إلى دوحه إلى تأزم جديد وصولاً إلى مساومة مؤقتة
للخروج من الأزمة التي طالت تعطيلاً وتمديداً وفراغاً رئاسياً...
وانتخب رئيس للجمهورية، وشكلت الحكومة ولكن قانون الانتخاب الذي
يُعتبر الأساس في إعادة تشكيل السلطة، لا يزال يراوح مكانه، ولا
يزال المواطن يعيش القلق على المصير إضافة إلى الفقر والبطالة
وغياب الخدمات الأساسية تحت ثقل الفساد ونهب المال العام وهم
السلسلة وقانون الإيجارات والنفايات وغيرها ...
هل الدولة المدنية هي الحل ؟
استناداً إلى ما تقدم، نجد أن الدولة المدنية الديمقراطية هي الحل؛
لأن استمرار النظام السياسي الطائفي يشكل استمراراً للبيئة المولدة
للنزاعات والحروب ولانهيار المؤسسات، بل أزمة خطيرة تهدد وجود
لبنان. لذا يشكل العمل على بناء دولة مدنية ديمقراطية، حتمية
تاريخية للحل ! لكن ذلك يستوجب العمل على مسارات تبنى فيها وتتفاعل
سياقات عديدة : السياسية والقانونية والاقتصادية والاجتماعية
والثقافية وتأتي في هذا الإطار أهمية الحوار بين شركاء متساوين،
وانخراط المرأة ومشاركتها في بناء الدولة المدنية الديمقراطية
حفاظاً على مكتسباتها من جهة، وبهدف ولوجها إلى مواقع صنع القرار
في معرض هذه المشاركة من جهة أخرى، كون النساء لا يزلن يتعرض
للإقصاء في غياب إرادة سياسية جدية لإشراكهن.
لقد نزلت النساء مراراً عديدة ماضياً وحاضراً إلى الشارع حاملة
شعارات وطنية وليس فقط نسوية، وعندما حان وقت بناء الدولة، أقصيت
النساء، وجلس الرجال وحدهم إلى طاولات التسويات... هذا ما حصل
ماضياً في ثورة الجزائر ضد الفرنسيين، وفي التظاهرات النسائية ضد
الانتداب في لبنان، ومشاركة النساء أثناء حرب 1975، وما تلاها، في
أعمال الإغاثة وفي تنظيم المسيرات التي رفعت شعارات وطنية ؛ كما من
أجل السلم الأهلي وحماية الوطن ومن أجل الحقوق المدنية والعدالة
والعلمانية وقانون مدني للأحوال الشخصية في مراحل لاحقة؛ وقد تم
إقصاء المرأة كالعادة في مرحلة البناء ونشأ نظام ممعن في الطائفية
والفساد والتمييز.
لذلك على المرأة واجب المشاركة في بناء الدولة المدنية
الديمقراطية، لأن عليها تحديات مضاعفة : تحدي الدفاع عن الوطن
والإسهام في إنقاذه من جهة، ولكي تضمن حقوقها كمواطنة من جهة
أخرى؛ ولا يمكن لغير دولة مدنية ديمقراطية أن تفسح المجال لذلك...
لا شك أن النضال من أجل الدولة المدنية الديمقراطية يتطلب جهداً
استثنائياً، وأن هذا الجهد لم يبدأ الآن ! فقد راكم المجتمع
المدني، ونحن منه، منذ عقود عملاً دؤوباً، وسجل محطات مضيئة على
طريق الدولة المدنية الديمقراطية : تحركات واعتصامات وتظاهرات : من
أجل قانون مدني للأحوال الشخصية، كما من أجل إسقاط النظام الطائفي،
إضافة إلى تحركات هيئة التنسيق النقابية والحراك الشعبي... والتي
أسهمت جميعها في رفع الوعي وأحدثت "خلخلة " في بنية النظام
الطائفي، وإن لم تتمكن من إحداث نقلة نوعية في هذا المجال.. لكن
الجهود مستمرة رغم وجود عوائق كثيرة تعترض هذا الجهد وهذه المسيرة،
يأتي في مقدمتها غياب التماسك الاجتماعي، والانقسام العمودي بين
الطوائف والمذاهب، وتجذر الثقافة الرجعية الإقصائية : العشائرية
والعائلية والطائفية والمذهبية...
خلاصة
إن الدستور اللبناني المعدل (1990) ينص في مقدمته على أن "لبنان
عضو مؤسس وعامل في منظمة الأمم المتحدة ويلتزم مواثيقها والإعلان
العالمي لحقوق الإنسان، وتجسّد الدولة هذه المبادئ في جميع الحقول
والمجالات دون استثناء.
مع الإشارة إلى أن لبنان قد صدق على اتفاقيات دولية هامة، منها
تلك المتعلقة بالحقوق السياسية للمرأة العام 1952، كما على العهدين
الدوليين، واتفاقية إلغاء جميع أشكال التمييز ضد المرأة، دون ان
يتحفظ على المشاركة السياسية للمرأة؛ مع الإشارة إلى أن المرأة
اللبنانية قد نالت حقوقها السياسية العام 1953. ولكن لبنان تحفظ
على مادتين أساسيتين في اتفاقية
CEDAW
: المادة (16) المتعلقة بالمساواة بين المرأة والرجل في قوانين
الأسرة (والأحوال الشخصية)، والمادة (9) المتعلقة بمنح المرأة
اللبنانية جنسيتها لأولادها إذا كانت متزوجة من غير لبناني.
لذا أختم بتسجيل الملاحظات والتوصيات التالية :
-
لا يمكن ان تقوم ديمقراطية إلا في دولة مدنية.
-
انطلاقاً من أن الشعب هو مصدر السلطات في الدولة الديمقراطية، يجب
أن تكون كل القوانين وضعية قابلة للتعديل أو التغيير، بما تمليه
مصلحة الوطن والمواطن.
-
السلطة التشريعية يجب أن تكون منتخبة من الشعب وفق قانون عادل
يعتمد النسبية خارج القيد الطائفي ولبنان دائرة واحدة ووفق معايير
متساوية تشعر المرء بالانتماء إلى الوطن وتشرك الشباب (سن الـ 18)
والنساء عبر كوتا مرحلية ومؤقتة لا تقل عن 30% في مراكز القرار.
-
اعتماد الفصل بين السلطات : التشريعية والتنفيذية والقضائية.
-
استحداث قانون مدني لبناني موحد للأحوال الشخصية، صادر عن سلطة
مدنية (المجلس النيابي) قابل للتعديل من قبل هذا المجلس، بما تفرضه
عملية التطور العقلانية للمجتمع، وتشرف على تنفيذه محاكم مدنية.
-
إقرار قانون جديد للأحزاب لا يسمح بإنشاء أي حزب إذا لم يكن ثلثه
على الأقل من طوائف ومذاهب اخرى.
-
رفع التحفظات عن المادتين (9) و (16) من اتفاقية
CEDAW.
|