في تأبين المناضلة عزة الحر مروة ورحيلها الى مثواها الأخير
رحلت من كانت تنبض بالحياة والنضال والأمل بمستقبل أفضل. عزة الحر مروة ابنة جبل عامل عادت الى مثواها الأخير بلدتها الجنوبية جباع ، فقيل في وداعها كلمات مؤثرة لكل من الأخت مريم النور رئيسة دير الكرمل ، عايدة نصرالله رئيسة لجنة حقوق المرأة ، ثريا هاشم عضو اللقاء الوطني لإلغاء جميع أشكال التمييز ضد المرأة. ليلى مروة رئيسة التجمع النسائي الديمقراطي اللبناني. اما ابنتاها فرح ولارا، ففضلن البوح بمشاعرهما حيث تقاسمتا قراءة رسالة اعتراف للام الحبيبة عزه .
قدمت الكلمات الإعلامية اتحاد درويش.
عائلة الفقيدة وأهلها ومحبيها،
زميلات الفقيدة وزميلاتي في لجنة حقوق المرأة اللبنانية.
أيها المشيّعون الكرام :
تهاوت زهرة النضال والأمل والصحة والحياة…
رحلت رفيقة “الحلم النبيل” … غادرت غزة الحر مروة.
أرادت عزة أن تكتب سطراً مشعاً في سجل الحياة، فنذرت نفسها لخط فكري تقدمي وطني ديمقراطي، ولقضية امرأة أرهقها الظلم فناءت تحت ثقل مئات آلاف السنين من القهر والتقاليد والذهنيات التمييزية العتيقة.
عشقت عزة النضال، فأهدته دقائق حياتها وثوانيها، وقد جمعت إلى الكفاءة إقداماً وشجاعة مقدرتين، فتركت بصمات لا تمحى في مسيرة لجنة حقوق المرأة اللبنانية النضالية.
لم يقف المرض، طيلة اربعة وعشرين عاماً، عائقاً أمام تصميمها وعزمها ومشاركاتها والطموح ! أما نحن، والحق يقال، فلم نشعر أنها مريضة، ولم نأبه للمرض اللعين الذي غزا جسدها بغلاظة وقسوة وعلى غير استحقاق أو وجه حق، لم نأبه له إلا في السنتين الأخيرتين…
امتلكت عزة إمكانات كبيرة ومقدرة أهلتها لتولي مهام رفيعة في لجنة حقوق المرأة : من أمينة سر اللجنة إلى نائبة للرئيسة إلى رئيسة.
وحين أطلق “اللقاء الوطني للقضاء على التمييز ضد المرأة” بمبادرة من لجنة حقوق المرأة العام 1998، تسلمت عزة مهمة المنسقة لهذا اللقاء؛ فكانت بذلك جديرة…
عزة … لقد ألفتها قاعات المؤتمرات المحلية والعربية والدولية، وأدمنت على حضورها الوازن حلقات النقاش، وتململ من مثابرتها وعنادها من تضجره المتابعات الطويلة والشاقة لشؤون النضال وشجونه…
كانت عزة منارة نضال في تاريخ لجنة حقوق المرأة اللبنانية… اسم كبير بين أسماء كبيرة، من منظمة جماهيرية ديمقراطية، امتلكت رؤية فريدة جذرية وثاقبة منذ تأسيسها العام 1947 :
على مستوى الوطن الذي عملت اللجنة للدفاع عن استقلاله وحريته وديمقراطيته؛ وأرادته دولة مدنية علمانية غير طائفية، ورسمت له مستقبلاً زاهراً متقدماً، بعيداً عن كل أشكال التبعية والارتهان.
كما على المستوى الوطني، كذلك على مستوى قضية المرأة وحقوقها في المواطنة الكاملة والمساواة؛ لم تال اللجنة جهداً أو توفر عناءً !!
أما عزة فهي صفحة عز في تاريخ لجنة حقوق المرأة اللبنانية الضاربة في عراقة الطرح العميق لمسألة حقوق المرأة وقضيتها كجزء لا يتجزأ من قضايا الوطن ومسألة الديمقراطية فيه.
لكم خشيت يا رفيقتي ! وقد انتسبت وإياك إلى اللجنة في العام نفسه (1975)، خشيت، عندما عرفت بتطور مرضك، أن تأتي هذه اللحظة وأنا على قيد الحياة !
ولكن، ولسوء حظي، قد حلت اللحظة… فتحملت مع زميلاتك وعائلتك الكريمة ومحبيك، ألماً عميقاً حفر مساره في وجدان كل منا…
خسارة كبيرة فقدك يا عزيزتي على أكثر من صعيد..
لترقد روحك بسلام … وليغمرك الله بواسع رحمته.
عائدة نصر الله
رئيسة لجنة حقوق المرأة اللبنانية
السبت 22/12/2018 – بلدة جباع
ناضلت الفقيدة، منذ أن كانت تلميذة ومن ثم معلمة في مدرسة جباع، من أجل حقوق الإنسان في لبنان، وشاركت في التظاهرات الطلابية من أجل تحقيق شعار ديمقراطية التعليم والقضاء على الأمية عبر إيجاد مقغد لكل تلميذ في لبنان. وانصب اهتمامها، بشكل خاص، على النضال من أجل الدفاع عن حقوق المرأة اللبنانية، أولاً، وعلى الصعيد العالمي، فكانت خير سفيرة لنساء لبنان في الاتحاد النسائي الديمقراطي العالمي في برلين وفي كل المؤتمرات والاجتماعات الدولية التي شاركت فيها؛ كما كانت في الصفوف الأولى من أجل تعديل القوانين اللبنانية والقضاء على العنف بكل أشكاله، وتحقيق المساواة بين المرأة والرجل في كافة نواحي الحياة، اجتماعياً واقتصادياً وسياسياً.
ولم تنسى عزة، ابنة الجنوب، القضايا الوطنية، فناضلت ضد العدوان الصهيوني على لبنان ومن أجل تحرير الأراضي اللبنانية المحتلة بعد عدوان 1982. كما إنها لم تنسى يوماً فلسطين وشغبها، فكانت، رغم المرض، تشارك في الصفوف الأمامية للتظاهرات والاعتصامات من أجل حق الشعب الفلسطيني في العودة إلى أرضه وباء دولته الوطنية.
بفقدان عزة الحر مروة، تفقد الحركة النسائية المناضلة ركناً أساسياً من اركانها.
سنفتقدها.
مكتب اللقاء الوطني
للقضاء على التمييز ضد المرأة
ماما
اليك رسالة اعتراف من ابنتيك نبوح بها لأول مرة.
ماما تعالي معي إلى حين كنت طفلة صغيرة..
أتدرين أنني كنت أغار من صديقاتي عندما كانت أمهاتهن متفرغات لهن فتلك
تحضر لها أمها كعكة وأخرى تضفر لها أمها شعرها وأخرى تحكي لها حكاية ما قبل النوم بينما كنت أنت كثيرة الانشغال والغياب. لم أكن أفهم لماذا. كنت اتساءل أين أمي أنا ؟
لماذا أمي مختلفة عن كل الأمهات ؟
كبرت قليلاً فتلمست دفئ حبك يختبئ في حديث عن حقوقي وواجباتي كمواطنة بدل حكاية ما قبل النوم… تذوقت قوتك وحسن تدبيرك… في استيقاظك فجراً كل يوم لتحضيرك وجبة الغداء بدل الكعكة قبل انطلاقك إلى نضالك اليومي.
كان حنانك يطالنا في توعيتك لنا عن أهمية احترام انسانيتنا بدل الاهتمام البحث بالمظاهر.
كبرت أكثر فتعلمت منك معنى المسؤولية ومسؤولية الاختيار. معنى وعمق الالتزام بقضية حق..
تعلمت منك ومن بابا كيف يكون الحب الحقيقي الصافي، وان احترام الغير باختلاف الآراء والخلفيات. تعلمت معنى أن أتجرد من الأنا والتسلح بالمبادئ والمثل العليا..
تعلمت عمق الحب الأخوي منك ومن خالتي منى رفيقتك التي لازمتك وخالي عبد العزيز وتوفيق رحمه الله..
كيف لا، وانت ابنة جباع الحلاوة، ابنة الشيخ عباس الحر، ابنة بيت الكرم والرفعة..
تعلمت عدم الاستسلام.. تعلمت حياكة خيوط الضوء من أحلك الظلمات.. وتعلمت أن أضحك وأن أجد السعادة في أصغر التفاصيل..
ماما… حبيبتي …
كبرت أكثر واصبحت أماً فوجدت نفسي أمرر سر أمومتك لأطفالي…
اعذريني امي فعندما كنت صغيرة لم أكن أريد مشاركة حبك.
ولكني اليوم أفخر أنني شاركت ذلك الفيضان من الحنان والحب.. فكنت عزة أم الكل، وأخت الكل، وابنة الكل، وعزوزة.. جدة الكل .. حبيبة قلب الكل.
حبك يا ماما تخطى معاني الأمومة الفردية لتجلبي معنى جديداً للأمومة.
ماما.. اليوم … اليوم صغرت كثيراً … اليوم عدت طفلة وما عدت أريد أن أكبر إلا وانت أمي.. كما أنت .. كما كنت..
أرحلي بسلام وطمأنينة.. فأنا لم أكن لأتمنى إلا أن تكوني أنت أمي أنا.. ارحلي حبيبتي … ضاحكة كعادتك.. مفعمة بنور الأمل بوطن رائع، بعالم مثالي..
نحبك كلنا .. أنا وأختي وبابا وخالتي منى وخالي عبد العزيز وابنيه باسل وباهر.. وأحفادك الخمسة.. عائلتك الصغيرة.
نودعك اليوم بغصة ممزوجة بشيء من السلام والشوق، في بلدتك جباع مسقط رأسك ومصدر فخرك.. نشارك وداعك مع عائلتيك الصغرى والكبرى، آل الحر آل مروة وآل نور الدين، والمشكورين أهالي بلدة جباع الحلاوي، عائلة لجنة حقوق المرأة اللبنانية، وعائلة مدرسة كرمل القديس يوسف، ورفاقك في النضال، رفاقك في رحلتك صديقاتك واصدقائك.. كلنا هنا اليوم… فإذا كنا نحن كنوزك فاعلمي أنك أنت وستظلين كنزاً لنا.
وداعاً ماما
أتقدم بالتعازي الحارة من أسرة ومحبي رفيقتي ابنة ضيعتي، جباع، ورفيقة النضال عزه .
وإذا كان لا بد من الكلام يوم رحيلها ، فأقول، ان عزه رحلت بجسدها فقط وستبقى حاضرة بضمير ووجدان كل من عرفها .
فعلى المستوى الإنساني، عرفتها في مطلع شبابها، تلميذة مميزة ، متفوقة، حساسة ومحبة. نالت إعجاب الهيئات التعليمية والتلامذة بسبب تفوقها في دراستها .
أيضا كانت عزه، علامة فارقة في تاريخ جباع ” لا يفوتها واجب”، دائما الى جانب الجميع في الأفراح والأتراح .
أما على مستوى النضال النسوي ، فهي رائدة من رائدات العالم العربي، حملت قضايا النساء ودافعت عن حقوقهن على كل المستويات ، ضد العنف والتمييز وما ينتج عنهما من إقصاء وتهميش، فناضلت من اجل تعزيز مواقع المرأة في القرار السياسي، وكانت مناضلة نسوية بامتياز
أيضا على المستوى السياسي، فهي مناضلة حزبية من اجل الفقراء والعمال وكان دورها مميزاً.
هي مثال المناضلة الديمقراطية العلمانية، الحالمة بدولة القانون والمؤسسات، الحالمة بقيام الدولة المدنية التي يتساوى فيها الجميع نساء ورجالا والتي تحفظ كرامة المواطن وتحقق العدالة الاجتماعية.
عزة : تركتي الأمانة ومسؤوليتنا التكاتف لتحقيق الانتصارات .
ليلى مروه
رئيسة التجمع النسائي الديمقراطي اللبناني