قصر الاونيسكو
في 21/11/2011
كلمة
رئيسة لجنة حقوق المرأة اللبنانية
السيدة غانية الموصلي دوغان
ايها الحضور الكريم،
ينعقد لقاؤنا اليوم في ظل ظروف دقيقة يعيشها عالمنا العربي.
لم تكن انتفاضات الشعوب العربية المقهورة والمهمشة تمثل لعبة
الموت في الشوارع فقط، بل مثلت ارادة الحياة، في حق المواطنة
والعدالة والمساواة والعمل والتنمية ضد انظمة عربية عاثت فسادا
وظلما وقمعا على مدى عقود طويلة دون ان تلتفت لشعوبها المفقرة
بفعل السياسات المعتمدة على المستويات السياسية والاقتصادية
والاجتماعية، مما
سهل لحفنة من الفاسدين والمضاربين نهب وسرقة عرق الفئات الشعبية
التي دفعت وما تزال ثمن تضحياتها من اجل استقلالها وتحررهافي طول
البلاد العربية وعرضها.
وما ان اجتازت تونس ومصر المحطة الاولى من مسيرة الثورة حتى
استنفرت قوى تحالف الثورة المضادة التي تحاول تحويل مسارالثورة
الشعبية باتجاه يخدم مصالح" مشروع الشرق الاوسط " المأزوم
في المنطقة العربية بفعل
المقاومة في كل من لبنان وفلسطين والعراق.
ان امل التغييرالذي صنعه الشعب العربي في حراكه السلمي الديمقراطي،
يجري العمل على اطفاء شعلته وفق مخاوف واعتبارات اخطرها يكمن في
التدخل المباشر والهجوم المضاد من قبل القوى الاميركية والاطلسية،
لاحياء مشروعها التفتيتي من جهة ولانقاذ ازمتها المالية المتفاقمة
من جهة اخرى ...
وهي محاولة للدخول مجددا بقوة الى عمق المنطقة وتفتيتها ونهب
ثرواتها مستفيدة من ضعف وتشرذم الصف العربي وغياب التنسيق وخطط
المواجهة،
خاصة في ظل بنية الانظمة العربية وسياساتها التبعية وعجزها عن
تأمين الحريات السياسية والاجتماعية ، لانها عجزت بالاساس عن تأمين
مجتمع الكرامة والكفاية، ولو بالحدود الدنيا .
ولا بد من الاشارة الى استقواء بعض البدائل بقوى الخارج والتسلح
بسلاحه، او من خلال نموذج الحكومة الليبية الجديدة التي طالبت
ببقاء قوات الناتو واصدرت اول قرار لها يمس بالمرأة الليبية، وكأن
معركة التغيير الوطنية قامت ضد المرأة . وهذا النموذج السلفي
المتخلف والمتحالف مع قوى الاستعمار الجديد وبقاياالسلطات يجب
التنبه له والتحذيرمنه، لانه يقدم خدمات مجانية جليلة ضد شعوبنا
وضد استقلالنا الوطني وضد تطورنا الديمقراطي.
ان هذا الواقع المتراجع ليس مقلقا فقط للمرأة العربية التي ناضلت
وطنيا وقوميا من اجل التحرير والتغيير الديمقراطي، كما ناضلت من
اجل حقوقها في ان تكون شريكا متساويا في المواطنة الكاملة غير
المنقوصة، بل هو مقلق لكافة القوى الديمقراطية والتقدمية بقواها
الشعبية والاهلية لحفز وعي شعبي من اجل اهداف الثورة الشعبية
الديمقراطي العربية، ومواجهة
كل اشكال والوان الاستعمار والتخلف والاستبداد.
ويهمنا
كلجنة حقوق المرأة اللبنانية
ومن موقعنا النضالي،
ان نؤكد على المضي في النضال الى جانب كافة القوى الوطنية
والديمقراطية والتقدمية في لبنان والعالم العربي لتعزيز ثقافة
المقاومة ضد كل اشكال الصراعات الاثنية والقبلية والطائفية
والمذهبية والدعوة الى رص الصفوف لمواجهة المشروع الصهيوني
الاميركي وبخاصة مشروع" الشرق الاوسط الجديد"الذي يهدد المنطقة
كلها ، ويريد النيل من شعبنا ومنطقتنا وثرواتنا ، وان نكثف الجهود
من اجل تشكيل حركة مقاومة قادرة على تحقيق تلازم معركة التحرير
بالتغيير الديمقراطي.
ايتها الصديقات والاصدقاء،
كان لابد لنا من تسليط الضوء اولا على الوضع العربي العام نظرا
لارتباطنا بكل ما يجري حولنا، فلبنان جزء من العالم العربي يتأثر
بكل المستجدات التي تطرأ على ساحته، اضافة الى التحديات التي
يواجهها وطننا من جراء السياسة العدوانية والتهديدات الاسرائيلية
المتواصلة وخرقها المتكرر لسيادته واستمرار احتلا لها لمزارع شبعا
وتلال كفر شوبا .
ايها الحضور الكريم ..
بالعودة الى مناسبة اليوم، سؤال يطرح نفسه:
اهي الصدفة التي جعلت مناسبتين عزيزتين على قلوبنا ان تكونا بتاريخ
واحد من كل عام ؟
الاولى، وهي العزيزة على قلوب اللبنانيين جميعا ،الا وهي عيد
استقلال لبنان 22 تشرين الثاني العام1943، هذا البلد الصغير
بحجمه والكبير بدوره الفاعل في محيطه العربي والدولي .
اما الثانية، فهي ذكرى تاسيس لجنة حقوق المرأة اللبنانية في 22
تشرين الثاني العام 1947، الذي يوافق نفس تاريخ الاستقلال مع فارق
سنوات قليلة .
ان هذه المناسبة ليست محض صدفة . بل هي خيار نابع من قناعة راسخة
بانه كي يحافظ بلد ما على استقلاله الفتي انما هو بحاجة لكل
ابنائه نساء ورجالا .
ان هذه القناعة المترافقة مع الاحساس بالمسؤولية الوطنية _هي التي
حفزت ثلة من سيدات واعيات مؤمنات باهمية المشاركة في بناء وطنهن
وبالدور الذي يمكن للمرأة ان تقوم به في المجال السياسي والاقتصادي
والاجتماعي . ان كل هذه العناصر وغيرها كانت دافعهن الى تأسيس
منظمة نسائية ديمقراطية تطوعية لا طائفية، كانت الاولى من نوعها في
ذلك الوقت اذ ركزت في قانونها الاساسي على دورها في الاسهام
بحماية استقلال لبنان وتحصينه من المتربصين به،
اضافة الى عملها من اجل حقوق المرأة . وبقدر ما كان طرحها هذا
نوعيا ومتميزا، بقدر ما شكل عقبة كبيرة امام حصولها على الترخيص
بالعمل وبما يسمى حتى اليوم ب
(العلم والخبر)،
لان النظرة كانت سائدة في تلك الفترة الى برامج الجمعيات
النسائية بانها متخصصة بالعمل الخيري ولا علاقة لها بالشأن العام
الذي هو من اختصاص الرجل .من هنا كانت المحاربة شديدة للرائدات
اللواتي سبقننا، وكن ناشطات جدا رغم العراقيل التي واجهتهن في
مسيرة نضالهن. واستمر الحال هكذا حتى العام 1970 حيث حصلت اللجنة
على الترخيص، ولكن مع ذلك، لم تتمكن السلطة في حينه من ان تمنع
اولئك المناضلات من متابعة الطريق والعمل الدؤوب من اجل تعميم
فكرة: ان قضية المراة في لبنان ليست قضية فئوية تعني اصحابها فقط
بل هي قضية مجتمعية عامة لها ارتباط بكل جوانب الحياة .
لقد لاقى هذا التوجه تجاوبا سريعا في اوساط النساء من مختلف
المستويات، ولدى المستنيرين من الرجال الذين كان لهم دور كبير في
دعم برامج اللجنة ونشاطاتها . وهكذا بدات كرة الثلج تكبر وتكبر
وعملها ينمو رغم كل المعوقات التي كانت تواجهها، اذ كانت اللجنة
تتغلب عليها بفضل حكمة اعضائها المنتشرات على مساحة الوطن، مناضلات
في صفوف الجمعية، متسلحات بامل مقرون بالعزم والوعي وبارادة لا
تلين امام الصعوبات دفاعا عن الحق بحياة كريمة ومن اجل تحقيق
المواطنة الكاملة للمرأة اللبنانية .
ايتها الصديقات ايها الاصدقاء...
نحتفل اليوم بثمانية وستين عاما من الاستقلال واربعة وستين عاما
على تاسيس لجنة حقوق المراة اللبنانية، دعونا نسأل:
ماذا حققت دولة الاستقلال للبنان واللبنانيين؟
على الصعيد السياسي: دعوني اقول وبكل اسف بان النظام السياسي
الطائفي لا يزال قائما بل اكثر تجذرا، اذ يؤسس لعلاقات متوترة بين
ابناء الشعب اللبناني لانه لا يزال يعتمد على المحاصصة الطائفية
والمذهبية وعلى تقديم مصالح كل فئة على حساب مصلحة الوطن العليا.
وحتى الساعة لم يحصل اي تغيير او تطوير لهذا النظام على الرغم من
المحاولات الكثيرة والمطالبة الحثيثة (خصوصا في اوساط الشباب)
من اجل الخروج من هذا النظام المريض الى نظام يؤمن للبنان الانتقال
من دولة المزرعة الى دولة المؤسسات والعدالة.
ونحن على ثقة باننا واياكم واللبنانيين جميعاقد مللنا تكرار
الحديث عن مساوئ النظام الطائفي بكل متفرعاته، ونحن حقيقة نخجل من
اعادة تكرارها امامكم اليوم، ولكن لا بد من التأكيدعلى اننا لسنا
بفاقدي الامل.
ولدينا في لجنة حقوق المراة اللبنانية وكما معظم اللبنانيين لدينا
تصور اولي لبداية الطريق، وذلك عبراستحداث قانون انتخاب ديمقراطي
خارج القيد الطائفي يعتمد التمثيل النسبي مما يتيح الاستفادة من
الطاقات والكفاءات اللبنانية كافة، كما يؤمن التمثيل الصحيح لمختلف
شرائح المجتمع اللبناني داخل السلطات التشريعية والمجالس المحلية
والبلديات وفي مختلف مواقع القرار.
اما على الصعيد الاقتصادي الاجتماعي، فالوضع اسوأ ولا نرى داعيا
للاستفاضة بما يعانيه الشعب من ازمات خانقة. ولكن لابد من اطلاق
صرخة المواطن اللبناني الذي يعيش اسوأ ايامه، وذلك نتيجة للتشوهات
والاخطاء في السياسات الاقتصادية المرتبطة بعوامل هيكلية في طبيعة
الاقتصاد اللبناني. انها ازمة حقيقية تعصف بكل قطاعات الانتاج
مترافقة مع ازمة مالية معقدة نتيجة لارتفاع نسبة الدين العام
(حوالي 52 مليار دولار) مما ادى الى تفاقم الازمة المعيشية
واستشراء مريع للغلاء الذي طال ابسط مقومات الحياة ، ناهيك عما
يهدد المواطن من ازمات متوالدة يوميا مثل السكن والدواء والاستشفاء
والتعلم والكهرباء والماء والمحروقات، خصوصا اننامقبلون على شتاء
قاس كما نسمع . هذا اضافة الى فقدان الامان الاجتماعي وغياب
البطاقة
الصحية وضمان الشيخوخة.
ذلك كله نتيجة لتخلي الدولة عن القيام بدورها الرعائي وتلهي
المسؤولين وانشغالهم بالمناكفات والمهاترات الرخيصة بين اطراف
السلطة، هذا اضافة الى تخليها عن دورها الرقابي الرادع في مواجهة
كبار التجار والمستوردين الذين هم نفسهم وبكل اسف من بيدهم
القرار، وهذا ما شكل حالة مرضية لدى الشباب اسمها الاحباط، وخير
مثال على ذلك احلام شبابنا اليوم التي اختصرت الى امل الحصول على
فيزا هجرة للخارج من اجل تامين مستقبلهم ومساعدة عائلاتهم على
الصمود.
وهذا ما اوصلنا الى افراغ لبنان من الكفاءات الهامة التي يمتلكها،
نتيجة لهجرة الادمغة الخلاقة التي تعتبر ثروة لبنان الحقيقية.
ايها الحضور الكريم،
احزاب سياسية، نقابات عمالية، واتحادات شبابية ومؤسسات اجتماعية
واقتصادية وثقافية وهيئات نسائية ومجتمع مدني: كلنا مسؤولون، لا
احد ينتظران يحصل على حقوقه على طبق من فضة . فلنوحد جهودنا
وصفوفنا ونرفع صوتنا عاليا حتى يخترق جدران المجلس النيابي ومجلس
الوزراء وآذان المسؤولين والسياسيين جميعا..
ان الدولة - وبعد كل هذه العقود- مطالبة بتحقيق المطالب التي
ناضلنا ونناضل من اجلها حتى نستطيع ان نفخر بدولة الاستقلال التي
طالما حلمنا بها.
وهذا يتطلب منا جميعا الضغط والعمل من اجل:
·
تثبيت الوحدة الوطنية التي نعتبرها قاعدة اساسية من قواعد ترسيخ
السلم الاهلي المهدد بكل لحظة بالانفجار.
·
استكمال التحرير وتحصين الاستقلال وتكريس الديمقراطية وصون الحريات
العامة.
·
معالجة جذرية وفورية للازمة الاقتصادية، والحد من البطالة عبر
تامين فرص العمل للعاطلين، ومواجهة الغلاء المستشري الذي اثقل كاهل
فئات الشعب دون استثناء.
·
دعم مطالب الطبقة العاملة والاساتذة والمعلمين ومختلف الحملات
المطلبية.
·
اعتماد قانون انتخاب عادل يعتمد النسبية في التمثيل وخفض سن
الاقتراع الى 18 سنة وان يكون لبنان دائرة انتخابية واحدة وخارج
القيد الطائفي.
·
اعتماد الكوتا النسائية (حق الحصة للمرأة)
بنسبة 30% على الاقل ترشيحا ومقاعد على ان تكون هذه الخطوة مرحلية
ومؤقتة.
·
القضاء على التمييز ضد المراة بكل اشكاله انسجاما مع اتفاقية
السيداوالتي وقعها لبنان. وكاولوية ملحة نطالب باقرار حق المراة
اللبنانية المتزوجة من غير لبناني باعطاء جنسيتها لاولادها اسوة
بالرجل وشعارنا (لانهم اولادي: جنسيتي حق لهم).
·
استحداث قانون مدني للاحوال الشخصية.
ايتها الصديقات، ايها الاصدقاء...
هذا غيض من فيض مما نطمح ونعمل على تحقيقه في لجنة حقوق المرأة
اللبنانية التي عملت منذ تاسيسها على ربط قضية المراة بالقضايا
الاجتماعية والوطنية العامة كما سبق واسلفت، ونحن لانزال نعمل على
نشر ثقافة حقوق المرأة بالتلازم مع حقها بالمواطنة الكاملة، كون
المراة متاثرة ومؤثرة بكل ما يجري حولها .
اصدقائي لن اقع واياكم في فخ التكرار. ان البنود التي سبق ذكرها ،
كانت ولا تزال في صلب برامج عملنا ويومياته، سواء داخل اللجنة او
بالتكاتف والتعاون مع الهيئات النسائية المعنية بقضية المراة ومع
هيئات ومؤسسات المجتمع المدني الحريصة على كرامة الوطن والمواطن.
أشكر لكم مشاركتكم لنا هذه المناسبة كما اتقدم بالشكر لادارة
قصرالاونيسكو لتعاونها الدائم معنا. |