19 أيلول 2009 مارسيل عيراني -
اعتاد
اللبناني أن يفتخر بديمقراطيته ويتباهى بعاداته ويتحدث عن حرياته،
واعتاد أيضاً أن يكون السبّاق في تلقي الحداثة من الغرب وفي
استحداث أنماط حياة تناسبه، فأضحى لبنان معقلاً لمن يحترم حقوق
الإنسان ومهداً للإنفتاح على الآخر ولتعايش الحضارات في هذا الشرق
الذي يعمل العالم كله على حلحلة مشاكله أو على زيادة تعقيداتها...
لا أحد يدرك أيهما الأقرب إلى الحقيقة فعلياً!
ولكننا
اليوم نجد المجتمع اللبناني أمام معضلة جديدة وأمام امتحان جديد
للحريات وحقوق الإنسان، وأمام مسألة تجاهلها الجميع لإنشغالهم
بأزمات السياسة التي لا تنتهي، وتجنب أهل السياسة التطرق إليها
متذرعين بحجج من هنا وهناك، رغم وعود البعض بإيجاد حل لها، وعمل
المجتمع المدني بشكل متواضع على محاولة خلق رأي عام داعم لها دون
أن يفلح فعليا بالوصول إلى مبتغاه.
دقت
هذه المشكلة على أبوابنا منذ عدة أعوام ولا زالت كغيرها من الملفات
في جوارير مؤسسات الدولة. فها هي المرأة اليوم في لبنان، وفي القرن
الواحد والعشرين، لا تتمتع بمواطنية كاملة، وهي غير قادرة على
ممارسة هذه المواطنية من خلال إعطاء جنسيتها لأولادها.
عدد
النساء اللبنانيات المتزوجات من أجانب يرتفع كل يوم، وبالتالي جحم
المتضررين من عدم تعديل قانون الجنسية يرتفع أيضاً، وتتنوع مشاكل
هذه الفئة من الناس لتشمل مختلف ميادين الحياة.
لبنانيات
متزوجات من أجنبي: مشاكلنا كثيرة ونتنمنى إقرار التعديل
روت لنا إحداهن تجربتها، ورفضت
الكشف عن اسمها. فهي أم لبنانية الأصل والمنشأ لفتاتين ولدتا
وترعرعتا في لبنان، ولكن دون تذاكر أو أي وثيقة رسمية تعرف عنهما
باستثناء وثيقة الولادة. لماذا؟ حدثتنا المرأة بحسرة وأسى عن
معاناتها فقالت: "تزوجت من رجل أجنبي، ولم أدرك ذلك إلا قبل مراسم
العرس بأيام قليلة، ورزقنا بابنتين، ولكن الأخير رفض إعطاءهما
جنسية بلده الأم وتبين في وقت لاحق أنه يعاني من أمراض عقلية مما
أدى إلى طلاقنا وإعطائي الحق الكامل برعاية ابنتيّ". وكشفت لنا
المرأة عن المشاكل العديدة التي واجهتها وابنتيها، فقد أجبروا على
السكن في منطقة نائية في جرود غزير وعلى عدم التنقل كثيراً، وأوضحت
ان أبرز المشاكل كانت في عدم تمكن الفتاتين من متابعة دراستهما
بشكل طبيعي، فالأولى تعمل لدى مصفف للشعر قرب المنزل والثانية
أصبحت اليوم في الصف التاسع وقد لا تتمكن من تقديم إمتحان الدولة
الرسمي.
ومن غزير إلى الجنوب، صرخة أليسار
الحاج حسين المتأهلة من جمال شيرابي (وهو سوري الجنسية) ولها
ولدين. حدثتنا أليسار عن المشاكل الكثيرة التي تواجهها وأولادها
الذين لم يروا يوما سوريا والذين عاشوا في لبنان، بسبب عدم منح
الدولة اللبنانية الجنسية اللبنانية للأولاد ، وقالت: "مشاكلنا
كثيرة من العلم والطبابة إلى مختلف المشاكل الإجتماعية، فقد مرضت
ابنتي منذ حوالي العامين ولم تستقبلني أي من المستشفيات اللبنانية
بما أننا لا نملك القدرة الكافية على دفع التكاليف الباهظة
بالإضافة إلى كوننا غير مضمونين في الشركات الخاصة، فأجبرت على نقل
ابنتي إلى مستشفى تابع للأنروا حيث كانت التكلفة متواضعة". وحول
مشاكل الإقامة، أوضحت السيدة شرابي أن "هذه المشكلة لا تواجهها
اليوم إنما ستواجهها بعد بضعة أعوام عندما يبلغ ولديها سن الثامن
عشرة فيجبرون حينها على تجديد إقامتهم في سوريا". وتوجهت الى
المسؤولين في البلاد متسائلة "ألا يحق لإمرأة لبنانية تزوجت منذ
أكثر من 20 عاما أن تعطي الجنسية لأطفالها الذين ولدوا في لبنان
وترعرعوا فيه؟". وتمنت شرابي أن يصدر تعديل لقانون الجنسية في أقرب
وقت ممكن "لأن الوضع مزعج جدا ولم يعد بامكاننا احتماله".
لجنة
حقوق المرأة: المساواة بين الرجل والمرأة أصبحت ضرورة!
هذه الصرخة نقلناها إلى رئيسة لجنة
حقوق المرأة اللبنانية ليندا مطر التي أكدت أن "اللجنة تبذل قصارى
جهدها اليوم لتأمين إمضاء 10 نواب على مشروع القانون الذي أعدته
والذي يقضي بإعطاء المرأة الحق بمواطنية كاملة كالرجل والحق بإعطاء
الجنسية لأولادها"، مشيرة إلى أنها "لا تريد جمع الإمضاءات من جهة
سياسية واحدة بل من مختلف الكتل النيابية لكي لا يزج الملف في
السياسة أيضاً بما أنه ملف إنساني".
ونفت مطر وجود قرار سياسي سلبي أو
إيجابي، لمنع إقرار هذا القانون، مبدية تفاؤلها بإمكان إقراره
"خصوصاً بعد أن انتهت الإنتخابات النيابية".
وكشفت عن تحركات شعبية على الأرض
وتحديداً أمام مجلس النواب "لأن مثل هذه التحركات تزيد من فرص
الوصول إلى هدفنا، وفي الوقت عينه تقوم اللجنة بإتصالات مع مؤسسات
المجتمع المدني ولا سيما النقابات التي يمكنها أن تلعب دورا مهماً
في هذا الملف على غرار نقابة المحاميين".
وعبرت مطر عن امتعاضها من "التمييز
الحاصل في لبنان بين الرجل والمرأة والذي يتجلى في هذا الملف وفي
ملفات أخرى أيضاً"، مشددة على ضرورة أن تتساوى المرأة بالرجل في
لبنان على صعيد الحقوق والواجبات.
ولا تعمل هذه اللجنة بمفردها، بل
إنّ عدداً كبيراً من الجمعيات الأهلية تتبنى الملف أيضاً، البعض
منها قام بمشاريع لمساعدة المتضررين، والبعض الآخر عمل على إعداد
دراسات لفهم حجم المشكلة والضغط على السياسيين لحسم اللملف، وتشكل
"اللجنة الأهلية لمتابعة قضايا المرأة" إحداها. فبرعاية برنامج
الأمم المتحدة الإنمائي "UNDP"،
أطلقت حملة "جنسيتي حق إلى وإلن" وتمكنت اللجنة من تصميم مشروع
"حقوق المرأة اللبنانية وقانون الجنسية " الذي يجري تنفيذه منذ آب
الماضي ووصل اليوم إلى المرحلة الأخيرة وهي مرحلة إطلاق الدراسة
التي أعدت في هذا المجال والذي من المقرر أن تعرض بشكلها النائي في
أواخر الشهر المقبل.
دراسة:
18 ألف إمرأة لبنانية متزوجة من غير لبناني
تمكنت "النشرة" من الحصول على بعض
المعلومات الواردة في هذه الدراسة التي أعدتها الدكتورة فهمية شرف
الدين تحت عنوان "أوضاع النساء اللبنانيات المتزوجات من غير
لبنانيين"، وجاءت النتائج على شكل الجدول التالي:
وكشفت
الدراسة عن وجود 18 ألف امرأة لبنانية متزوجة من غير لبناني، فإذا
ضرب العدد بـ2، محتسبين بذلك عدد الأزواج، ومن ثم بمعدل الخصوبة
(2.3) نحصل على النتيجة التقريبية لعدد المتضررين من عدم إقرار
قانون منح الجنسية للمرأة اللبنانية والذي يبلغ 80 ألف متضرر من
رجال ونساء وأطفال، وهذا منذ العام 1995 (السنة التي صدر فيها
مرسوم التجنيس) حتى العام 2008.
كان الهدف من هذه الدراسة "تحديد
أعداد النساء اللبنانيات المتزوجات من غير لبناني وبناء عليه معرفة
حجم المشكلة وكيفية تأثيرها على العائلات سلباً"، وأوضحت المديرة
التنفيذية للمشروع نائلة المصري أن "المسح كان شاملاً "وتعاونا
لمعرفة الأرقام الأقرب إلى الدقة مع 30 مؤسسة مختلفة".
ولفتت المصري إلى أن "المعاناة التي
يواجهها المتضررون هي نتيجة مشاكل يواجهونها على مختلف الأصعدة من
الإقامة، إلى العمل، فالطبابة، والتعليم، والإرث بالإضافة إلى
مشاكل نفسية وإجتماعية، وهذه المشاكل لا تستثني أيضاً الطبقة
الغنية التي تعاني خصوصا من مشكلتي الإرث والإقامة.
فعلى صعيد العمل، لا يمكن للأجانب
ان ينضموا إلى النقابات أو أن يعملوا في مجالات الدولة، وتقوم بعض
مؤسسات القطاع الخاص باستغلال طاقاتهم مقابل أجر متدنٍ. وبالنسبة
إلى الطبابة فلا يمكنهم الدخول إلى المستشفيات الحكومية للإستشفاء
ومن لا يستطيع دفع تكاليف المستشفيات الخاصة يعاني كثيرا في هذا
المجال. أما التعليم فإن للبنانيين الأولوية للدخول إلى الجامعة
اللبنانية وإلى المدارس الرسمية. وبالنسبة إلى الإرث، فالقانون
اللبناني حدد نسبة معينة لإمكانية تملك الأجانب في لبنان... إلى ما
هنالك. ومن هنا نرى أن حجم المشكلة على المستوى الإجتماعي كبير
وبحاجة إلى معالجة ولا يمكن عض الطرف عنه.
وبما أن المشكلة أساسا على علاقة
بقانون الجنسية الصادر عام 1925 والمستند من القانون الفرنسي
الصادر عام 1888، فإن الحل لا يتم إلا من خلال القانون ويبقى عمل
المؤسسات الأهلية ومنظمات المجتمع المدني، على أهميته، محدود
الفعالية ولا يمكنه أن يشكل أي حل نهائي.
مخيبر: مشروع
تعديل قانون الجنسية غير مطروح للمناقشة في البرلمان حتى الساعة
وفي
هذا الإطار، أوضح لنا عضو تكتل "التغيير والإصلاح" النائب غسان
مخيبر المسار الذي يجب أن يسلكه هذا الملف في مؤسسات الدولة، فشرح
لموقعنا أن مسودة مشروع القانون التي وضعها وزير الداخلية
والبلديات زياد بارود ما زالت في جوارير مجلس الوزراء الذي لم يبت
في هذا الأمر في جلسات ما قبل الإنتخابات النيابية لكي يتحول مشروع
القانون هذا إلى المجلس النيابي الذي يمتلك الصفة التشريعية والذي
يمكنه أن يقوم بالتعديل أو أن يرفضه. ولكنه أشار إلى أن الحكومة
ليست الطريق الوحيد لإقتراح تعديل قانون بل يوجود طريقة أخرى
لإيصال المشروع إلى المجلس النيابي وهي من خلال تقديم إقتراح قانون
من قبل أي نائب في البرلمان، وأكد مخيبر أن "ليس هنالك أي مشروع
مطروح للمناقشة حتى هذه الساعة".
وإذ عبر عن دعمه الكامل لتعديل
قانون الجنسية اللبنانية وبالتالي منح المرأة اللبنانية الحق في
إعطاء الجنسية لأولادها وزوجها، لفت إلى وجود "هواجس عند بعض
السياسيين مرتبطة بخشية البعض من ان يستغل هذا القانون لتسهيل
انتساب أشخاص غير محقين"، موضحاً أن "لدى البعض أيضاً تخوف من أن
يتم الإحتيال على هذا القانون لكي يسهل عملية التوطين التي يرفضها
اللبنانيون". ولكن مخيبر أكد أن خطر الإحتيال على القانون موجود في
كل قانون، مشيراً إلى "أن وزير الداخلية والبلديات زياد بارود عمل
على وضع ضوابط لمنع التحايل".
قزي: أرفض أي
تعديل لقانون الجنسية لأنه قد يكون مدخلا للتوطين
هذا
التخوف أوضحه مستشار رئيس حزب "الكتائب" سجعان قزي، فشدد على أنه
"ضد أي تعديل لقانون الجنسية اللبنانية لأن هذا سيكون بمثابة مدخل
لمشاريع أخرى"، معبراً عن خشيته من أن يكون هذا المشروع "واحد من
مجموعة مشاريع التي تؤدي إلى نوع من أنواع التوطين".
وإذ أشار إلى دعمه لسائر الأمور
المتعلقة بمساواة المرأة بالرجل في لبنان، اوضح أنه يتحفظ على هذا
الملف لأنه قد يؤدي إلى "خلل ديمغرافي معين لجهة نسبة الطوائف في
لبنان"، معتبرا أنه "في حال تم استثناء الفلسطينيين من تعديل
القانون هذا، يعتبر هذا الأمر مناهض لحقوق الإنسان وتمييز عنصري
وبالتالي لا يمكن للتمييز العنصري أن يكون مخرجا لتمييز عنصري
آخر".
وردت نائلة المصري على من يرى في
إقرار المشروع وسيلة للتوطين، مشيرة إلى أن الدراسة التي أعدتها
اللجنة الأهلية لمتابعة شؤون المرأة أكدت وجود 4768 امرأة لبنانية
متزوجة من فلسطيني وبالتالي اعتبرت أن هذا الرقم لا يعطي أي دلالة
وهو قليل جداً.
وفي الوقت الذي ينقسم فيه السياسيين
حول هذا الملف يواظب المجتمع المدني على المطالبة بحلول منطقية،
وفي هذا الإطار أشاد غسان مخيبر بدور هذا المجتمع المدني اللبناني
الذي وصفه بـ"الأكثر دينامية وبالنقطة المضيئة في لبنان"، لافتاً
إلى أن هذا المجتمع يقوم بحملات كبيرة ومهمة.
وحول إمكانية أن يبصر مشروع القانون
هذا النور قريباً، قال مخيبر: "فلبتشكل مجلس الوزراء واللجان
النيابية وسيكون هذا الملف بأولويات مجلس النواب خصوصاً إذا رافقه
ضغط شعبي"، وتعهد بالإلتزام بالعمل على إقراره "بأسرع وقت ممكن"،
معتبراً أن "الأوان قد آن لرفع كل نوع من انواع التمييز العنصري ضد
المرأة".
وبانتظار
بدء عمل مؤسسات الدولة، تبقى الشؤون التي تعني المواطن معلقة إلى
أجل غير مسمى علها تلقى في يوم من الأيام المقبلة آذانا تسمعها
وتترفع عن مصالحها الخاصة فترتقي حينها الطبقة السياسية إلى مستوى
المجتمع الذي هي موكلة بحمايته والمحافظة عليه.
هكذا هو الحال في لبنان، إنه فعلاً
بلد الديمقراطيات والحريات، ولكنه أيضاً بلد العجائب!
(الصورة
المرفقة عائدة لحملة "جنسيتي حق الي والن") |