علم وخبر : 199/1970

المحتوى   

أخبار المرأة:

 « الوارثات » المرأة ودورها في السياسة اللبنانية

خليل الصغير    

ديربورن - الولايات المتحدة الأميركية

السبت، 13 تموز « يوليو » 2002

     كتب الكثير عن الطبقة السياسية الحاكمة في لبنان وأطلق عليها الكثير من المسميات والنعوت من قبل النقاد و"المعارضة" والنخب وأهل الصحافة والإعلام بأشكاله وألوانه. والقاسم المشترك في كل هذا وذاك هو الحقيقة التي لا يمكن لأحد إغفالها، على الرغم من كل المظاهر "الديموقراطية" التي ينعم بها هذا البلد، هي أن عملية انتقال السلطة فيه لا تزال محكمة الإغلاق ضمن أطر عائلية وعشائرية وطائفية ضيقة رغم أن التغييرات التي أحدثتها الحرب الأهلية أنتجت نخباً جديدة لدى بعض الطوائف (الشيعة) وطعّمت أخرى بدم جديد (السنة والموارنة) فيما لم تؤثر مطلقاً على بعض آخر (الدروز).

 هذا على الصعيد العام، أما فيما يتعلق بدور المرأة اللبنانية في التركيبة السياسية فالتغيير يكاد لا يذكر. إذ، وعلى الرغم من أن لبنان كان أول بلد عربي يعطي المرأة الحق بالترشّح والتصويت (عام 1952)، إلا أن الأمر توقف عند هذا الحد ولم تستطع المرأة اللبنانية إلا في حالات نادرة وكوريثة لزوج أو أب أو أخ، أن تجد موقعاً لها في نادي السياسة اللبنانية ودون أن تستطع بناء شخصية سياسية أو قيادية مستقلة.

معركة المتن الأخيرة

 قبل شهر ونيّف جرت في منطقة "المتن" في جبل لبنان انتخابات فرعية للمقعد النيابي الشاغر بوفاة النائب الراحل ألبير مخيبر. المتنافسان الرئيسيان على المقعد كانا: غبريال المر وإبنة أخيه ميرنا المر. معظم اللبنانيون لم يروا أو يسمعوا بالسيدة ميرنا قبل تلك الإنتخابات، رغم أنها إبنة النائب ميشال المر، أحد أقطاب السياسة اللبنانية البارزين، وشقيقة وزير الداخلية الياس المر الذي "ورث" تلك الوزارة عن أبيه وهو أيضاً زوج إبنة رئيس الجمهورية العماد إميل لحود.

 وكما أصبح معلوم، فقد أدت تلك الإنتخابات إلى نشوب "معارك" سياسية طاحنة بين أقطاب السلطة والمعارضة بسبب الفارق الهزيل بين المرشحين. المهم أنه تم أخيرا، وبعد الكثير من الأخذ والرد والتهديد والوعيد، إعلان فوز "العم" غبريال المر فيما تولى "الأب" ميشال شن معركة خروج ابنته من الحملة، وكل ذلك دون أن تتاح للبنانيين الفرصة للتعرف على تلك السيدة التي طلب منهم انتخابها. فقد ظلت السيدة ميرنا، رغم بعض الظهور الإعلامي الخجول، سراً من أسرار "أبيها"!

 إحدى المفارقات الهامة في تلك الإنتخابات كانت ما رشح عنها وسط "معمعة" الصناديق التي ألغيت وتلك التي أعيد تعدادها والتأكد منها، وفيها أن غالبية الأصوات التي حصلت عليها السيدة ميرنا كانت من الرجال بينما حصل السيد غبريال المر على غالبية نسائية! وقد ردت صحيفة "السفير" ذلك إلى أن الناخبين الرجال صوتوا للسيدة المر بناءاً على التزام مبدئي بزعامة والدها ميشال المر في المتن بينما صوتت النساء بناءاً على ما تعرفوا عليه من كلا المرشحين قبل وأثناء الحملة الإنتخابية. إشارة إلى أن السيد غبريال المر يمتلك محطة الـ أم تي في الفضائية والتي سخرها لخدمة حملته بينما وقفت جميع المحطات التلفزيونية الأخرى موقفاً محايداً، وأحياناً هامشياً، من كلا المرشحين. لكن، وعلى الرغم من هذا التفاضل الإعلامي لصالح "العم" غبريال، إلا أن الإستنتاج الأهم لما حصل في هذه المعركة هو أن المرأة اللبنانية لا تزال تعيش ضمن هامش سياسي ضيق جداً يمنعها من تكوين شخصية عامة مستقلة عن الرجل.

البيانات تتكلم!

 وللتأكيد على هذه الحقيقة "المرّة" والمخجلة، يكفي أن ننظر إلى مجموع النساء اللبنانيات العاملات في الحقل السياسي، أو الحقول العامة الأخرى، لندرك مدى الهوة بين الصورة النمطية المنتشرة عن "تحرر" المرأة اللبنانية من التقاليد الأبوية / الذكورية المتسلطة وقدرتها على أن تكون فرداً منتجاً وذو شخصية مستقلة وبين الواقع الفعلي الذي لا يختلف كثيراً عن أكثر الدول العربية محافظة وتقييداً لحرية المرأة!

 الجدول التالي الذي استقينا معلوماته من مصادر عدة أهمها موقع اتحاد البرلمانات الدولي (Inter-Parliamentary Union)، يوضح لنا موقع المرأة اللبنانية على الصعيد البرلماني مقارنة مع موقع المرأة العربية على هذا الصعيد. ولا بد من الإشارة هنا إلى أن عدداً من الدول العربية (السعودية، الكويت والإمارات) لا تزال تحرم المرأة من كافة الحقوق السياسية.

تاريخ دخول البرلمان حق الترشح والتصويت تاريخ
الإنتخابات
نسبة
النساء
عدد
النساء
عدد
النواب

البلـد

مرتبة
  1959 10-1999 % 11.5 21 182  تونس 1
1973 1953 11-1998 % 10.4 26 250  سوريا 2
  1964 12-2000 % 9.7 35 360  السودان 3
1980 1980 3-2000 % 7.6 19 250  العراق 4
1957 1956 11-2000 % 2.4 11 454  مصر 5
1963 1952 9-2000 % 2.3 3 128  لبنان 6
1989 1974 11-1997 % 1.3 1 80  الأردن 7
1990 1967 4-1997 % 0.7 2 299  اليمن 8
1993 1963 11-1997 % 0.6 2 325  المغرب 9
X 1986 12-1997 % 0 0 65  جيبوتي 10

1. الترتيب حسب نسبة النساء في البرلمان الحالي 2. تاريخ دخول المرأة إلى برلماني تونس والسودان غير متوفر 3. الرقم / التاريخ باللون الأحمر يعني الأعلى / الأقدم
 موقع بنت جبيل: المعلومات من موقع إتحاد البرلمانات الدولي  (http://www.ipu.org/)

من هنّ؟

 نظراً لقلة عدد النساء اللبنانيات اللواتي استطعن اختراق الحواجز المنتصبة أمامهن لإثبات قدراتهن القيادية، يمكننا أن نقوم بجردة سريعة لهؤلاء النساء اللواتي "سمح" لهن الخوض في غمار السياسة اللبنانية وكيف "أتيح" لهن ذلك.

 أ. وزراء:

 لا أحد! فمنذ استقلال لبنان، قبل أكثر من نصف قرن، لم يتم تعيين أية امرأة في منصب وزير، بينما حققت النساء العربيات حضوراً على هذا المستوى في حكومات العديد من البلدان العربية (سوريا، العراق، الأردن، مصر، تونس، المغرب...)

ب. نواب (برلمانيات):

 1. النائبات السابقات: المجموع 3

(1) ميرنا البستاني. أول إمرأة تدخل البرلمان اللبناني (28 آذار 1963) وذلك بعد فوزها بالتزكية في دورة فرعية لملء المقعد الشاغر بوفاة والدها اميل البستاني. لم تشارك في الإنتخابات النيابية عام 1964

 (2) نهاد سعيّد. ترشحت لانتخابات فرعية لمقعد جبيل اثر وفاة زوجها النائب أنطوان سعيّد (في 25 أيار1965) لملء المقعد الشاغر، لكنها فشلت أمام عميد الكتلة الوطنية الراحل ريمون اده. واستمرت بتكرار المحاولة حتى استطاعت الوصول إلى البرلمان في دورة العام 1996، لتعيد توريث المقعد عام 2000 لابنها النائب الحالي فارس سعيد.

 (3) مها الخوري أسعد. فازت في انتخابات العام 1992 عن مقعد جبيل في ظل المقاطعة المسيحية للإنتخابات (حصلت على 42 صوتاً).

 ومن السيدات اللبنانيات اللواتي خضن الإنتخابات دون أن يحالفهن الحظ بالوصول إلى الندوة البرلمانية منيرة الصلح وأميلي فارس ابراهيم وزينة العلي شاهين، ابنة الزعيم العكاري سليمان العلي وزوجة النائب السابق رفيق شاهين، ود.غادة اليافي، ابنة رئيس الحكومة الراحل عبد الله اليافي.

 2. النائبات الحاليات (برلمان أيلول / سبتمبر 2000): المجموع 3

 

(1) نائلة معوّض:

زوجة المرحوم الرئيس رينيه معوض. عينت بمرسوم نائبة غداة اغتياله عام 1989 لتخلفه على المقعد الماروني في زغرتا وانتخبت عن المقعد ذاته في الدورات النيابية الثلاث 1992، 1996، و 2000. ويبدو أنها تستعد لتوريث إبنها ميشال معوض الذي بدأ نجمه بالظهور مؤخراً في المحافل السياسية في زغرتا والشمال. (nmoawad@lp.gov.lb)

(2) بهية الحريري:

شقيقة رئيس الوزراء رفيق الحريري. انتخبت ممثلة لتياره عن المقعد السني في صيدا (انتخابات 1992 و 1996 و 2000). رئيسة "لجنة التربية والثقافة" النيابية؛ رئيسة "الهيئة الوطنية للمدرسة الرسمية"؛ رئيسة "جمعية التراث والبيئة"؛ رئيسة لجنة شؤون المرأة في "الإتحاد البرلماني العربي"؛ عضو "اللجنة الدولية لحقوق الطفل" وسفيرة "النوايا الطيبة" في منظمة الأونيسكو... هذا طبعاً إضافة إلى مواقع قيادية عديدة في كافة المؤسسات التي يمتلكها أو يرعاها شقيقها الرئيس الحريري. (bhariri@lp.gov.lb)

(3) د.غنوة جلول:

أكاديمية والإستثناء الأحدث لجهة الوراثة السياسية. نجحت على لائحة الرئيس الحريري عن المقعد السني في بيروت (عام 2000) دون أن يكون لها أي رصيد شعبي يذكر قبل ذلك. (jalloul@aub.edu.lb)

 لا بد من الإشارة هنا إلى أن جميع النساء اللواتي خضن الإنتخابات النيابية منذ الإستقلال هن من الطائفتين المارونية والسنية، وهو ما يشير إلى تخلف نسبي على صعيد الدور المتاح للمرأة في بقية الطوائف من قبل قياداتها السابقة والحالية.

ج. أحزاب / منظمات / جمعيات / مؤسسات

- أندريه لحود:

زوجة رئيس الجمهورية إميل لحود. رئيسة " الهيئة الوطنية لشؤون المرأة اللبنانية".

- جينا حبيقة:

زوجة رئيس القوات اللبنانية الأسبق ومؤسس "حزب الوعد" لاحقاً إيلي حبيقة، الذي اغتيل عام 2001. تم انتخابها قبل أسابيع قليلة رئيسة للحزب. لم تظهر على المسرح السياسي إلى بعد وفاة زوجها وهي دون شك تحاول تهيئة إبنها لحمل لواء والده في قيادة الحزب.

 

- رباب الصدر:

شقيقة الإمام المغيّب السيد موسى الصدر. تولت إدارة "مؤسسات الإمام الصدر التربوية" في صور بعد اختطافه في ليبيا في 31 آب 1978.

- رندة بري:

زوجة رئيس مجلس النواب نبيه بري. رئيسة "الجمعية اللبنانية لرعاية المعوقين" في الصرفند.

- ستريدا جعجع:

زوجة رئيس "القوات اللبنانية" المنحلة سمير جعجع المحكوم عليه بالسجن في عدد من القضايا بينها اغتيال رئيس الوزراء الأسبق رشيد كرامي. رغم أنها لا تحمل صفة حزبية رسمية، لكنها تتمتع بسلطة معنوية في صفوف محازبي القوات.

 

- صولانج الجميّل:

زوجة رئيس الجمهورية المنتخب بشير الجميّل الذي اغتيل في 14 أيلول 1982. غير ضالعة في الحياة السياسية اللبنانية، لكنها تعمل بشكل حثيث على حفظ مكان إبنها البكر نديم حتى يتسنى له وراثة موقع والده وذلك بمواجهة إبن عمه النائب بيار الجميل، إبن رئيس الجمهورية الأسبق أمين الجميل.

 

- منى الهراوي:

زوجة رئيس الجمهورية السابق الياس الهراوي. رئيسة "المؤسسة الوطنية للتراث"

- نازك الحريري

زوجة رئيس الوزراء رفيق الحريري. رئيسة "الجمعية العالمية لترقق العظام".

  د. رئيسات وأعضاء مجالس بلدية

 قد تكون الإنتخابات البلدية التي جرت في العام 1999 وجاءت بعدد من النساء، لا يتجاوز أصابع اليد الواحدة، كرئيسات لمجالس بلدية  أولى إرهاصات تغير ما في الذهنية السائدة في المجتمع اللبناني، برجاله ونسائه، لجهة إتاحة الفرصة أمام المرأة لإثبات دورها القيادي بمعزل عن سلطة الأب والزوج والأخ والعائلة وحتى الطائفة مما سيؤدي دون شك إلى زعزعة هذه الحلقة المفرغة لتوارث المناصب السياسية والإدارية في لبنان.

 *******

 إلا أن هذا لا يمكنه أن يحدث دون أن يطرأ تحول جذري على:

 أولاً، نظرة المرأة اللبنانية إلى دورها القيادي، خاصة في الأطر العملية والمهنية التي أثبتت جدارتها فيها، وبالتالي الإقلاع عن حالة التخلي عن دور منافس للرجل والقبول بالتبعية الدائمة حتى حين تمتلك القدرات التفاضلية التي تؤهلها لذلك.

 وهنا يستحضرني مثال عايشته وهزني بنتائجه المأساوية. فقد جرت قبل ثلاث سنوات في إحدى المدارس الرسمية في الضاحية الجنوبية انتخابات لاختيار مجلس أساتذة من ستة أعضاء. عدد الناخبين في المدرسة كان 35، ثلاثون معلمة وخمسة معلمين، يمثلون الهيئة التعليمية فيها. لا أعرف بالضبط عدد الذين ترشحوا لعضوية المجلس ولكن نتيجة التصويت كانت نجاح المعلمين الخمسة كلهم إضافة إلى إحدى المعلمات والتي أخذت أقل أصواتاً من الرجال الخمسة! أي أن المعلمات الكريمات أعطين أصواتهن جميعاً للرجال بينما حصلت تلك المعلمة على صوتها وبعض الأصوات القليلة الأخرى لا لسبب إلا لعدم وجود رجل سادس في المنافسة!!!

 ثانياً، وجوب قوننة إدخال المرأة إلى الساحة السياسية اللبنانية عبر فرض نسبة معينة (كوتا) لعدد النواب النساء في البرلمان وفي الوزارة وفي مختلف الإدارات العامة وحتى في المجالس البلدية الكبرى، وإعطاء المسوغات التفاضلية للمؤسسات العامة والخاصة التي تشرك المرأة في صنع القرار وتمنحها الفرصة لإثبات قدراتها الإنتاجية التنافسية، وخاصة في المجالات التربوية والصحية والإجتماعية والثقافية والبيئية، وهي مجالات أثبتت المرأة ريادتها العالمية فيها.

 *******

 كلما استمعت إلى حنان عشراوي تناقش وتجادل وتفاوض وتعارض في المحافل الدولية وعلى شاشات التلفزة والإذاعات العالمية، تأسرني بقدراتها التي لا أبالغ إن قلت بأنها تفوق قدرات كل الدبلوماسيين والإعلاميين العرب مجتمعين، في الوقت الذي لم تستطع هذه السيدة العربية المميزة أن تخترق نادي الساسة العرب الذين لا يكلون عن إثبات عجزهم أمام شعوبهم وأمام العالم كل صبح ومساء!!!

   موقع بنت جبيل 

   
   
  نرجو الإتصال بمدير موقعنا. Copyrights LLWR 2011©. كافة الحقوق محفوظة.