كتبهاعماد الدين رائف ،
في 11 آذار 2008
ماذا حققت حركة المرأة
اللبنانية؟ ما الذي نالته مما يسمى إصلاحاً اقتصادياً طوال العقد
الماضي؟ ما هي التوجهات الحالية على ضوء الحديث عن إصلاح جديد؟
أسئلة حملناها إلى السيدة ليندا مطر، رئيسة لجنة حقوق المرأة
اللبنانية، وأحد أشهر الوجوه النسائية المدافعة عن قضايا المرأة في
لبنان، التي خلصت إلى انه لا يمكن الحديث عن أي إصلاح بالنسبة
لواقع المرأة قبل إيجاد الأرضية الملائمة لهذا الإصلاح، خاصة إن
كان يطال الجانب الإقتصادي المعيشي. ففي ظل تجاهل الحكومات
المتعاقبة لمادتين أساسيتين في اتفاقية الأمم المتحدة الخاصة
بالقضاء على كافة أشكال التمييز ضد المرأة، تبقى المرأة مهضومة
الحقوق في بلد يتغنى بالإصلاح والحريات. تبدأ مطر بالذخيرة التي
انطلقت منها حركة المرأة في لبنان للنضال من أجل الوصول إلى
حقوقها، تقول: "نبدأ من واقع ما قبل الطائف، هو نتيجة نضال حركة
المرأة والذخيرة التي انطلقنا بها لاستكمال طريقنا فيما بعد. بدأنا
من الستينات وخلال الحرب اللبنانية والاحتلال، والجدير بالذكر أن
المرأة لعبت دوراً كبيراً في مقاومة الحرب والإحتلال، ودافعت عن
القضية كما الرجل، وكان دورنا إعادة لبنان إلى حياته الطبيعية خاصة
أنه في تلك الأثناء، لم يكن هناك حقوق لا للمرأة ولا للرجل".
تعديل بعض القوانين
المميزة
قامت
الحركة النسائية في لبنان بجهود وضغوط كبيرة على راسمي السياسات،
وهم من الرجال طبعاً، لإلغاء التمييز في القوانين اللبنانية منذ
1953 حتى تاريخه، واستطاعت أن تعدل بضغوطها بعض القوانين، بما فيها
الحقوق السياسية بموجب المرسوم الاشتراعي رقم 37 بتاريخ 18 فبراير
1953، المساواة في الإرث بموجب قانون الإرث لغير المسلمين في 23
يونيو 1959، حق المرأة في خيار الجنسية في 11 يونيو 1960، حرية
التنقل بموجب المذكرة رقم 17 على 204 في 17 أبريل 1974، إلغاء
الأحكام المعاقبة لمنع الحمل بموجب المرسوم الاشترعي رقم 12 بتاريخ
10 نوفمبر 1983 وفي نهاية الخدمة للرجال والنساء في قانون الضمان
الاجتماعي فبراير 1978، والاعتراف بأهلية المرأة للشهادة في السجل
العقاري بموجب القانون 275 في 4 نوفمبر 1993، الاعتراف بأهلية
المرأة المتزوجة لممارسة التجارة دون إجازة زوجها بموجب قانون رقم
380 في نوفمبر 1994، حق الموظفة في اليلك الديبلوماسي التي تتزوج
من أجنبي بمتابعة مهامها بموجب قانون رقم 376 بتاريخ 10 نوفمبر
1994، أهلية المرأة المتزوجة فيما يتعلق بقيود التأمين على الحياة
بموجب قانون رقم 483 في 8 ديسمبر 1995، إبرام لبنان اتفاقية القضاء
على جميع أشكال التمييز ضد المرأة والتحفظ على المواد 9-16-29 منها
بتاريخ 24 يوليو 1996، إلغاء العذر المحلي والحالة المترتبة في
جرائم الشرف المنصوص عليها في المادة 562 في قانون العقوبات بموجب
القانون رقم 7 بتاريخ 20 فبراير 1999، المساواة بين الموظف المضمون
والموظفة المضمونة في القطاع الخاص إزاء الأولاد فيما يتعلق
بتقديمات المرض والأمومة والتعويضات العائلية بموجب مذكرة بتاريخ
19 يناير 2001 الصادرة عن الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي،
المساواة بين الموظف والموظفة فيما يتعلق بتقديمات تعاونية موظفي
الدولة بموجب القانون 344 الصادر في 21 أبريل 2001 باستثناء
التعويضات العائلية، وأخيراً تعديل المواد 26-27-28-52 من قانون
العمل المتعلقة بمدة إجازة الأمومة التي أصبحت 49 يوماً وشروط عدم
توجيه الإنذار إلى المرأة العاملة الحامل وذلك عام 2000.
واقع المرأة.. حقوقياً
بعد انتهاء الحرب الأهلية
وتوجه حركة المرأة تجاه الدولة، ما الذي حدث؟ تجيب مطر:"أوقف اتفاق
الطائف الحرب وأعطى مجالاً للشعب اللبناني أن يستعيد أنفاسه ويمارس
حياته الطبيعية إن كان على الصعيد الوطني والمجتمعي، وحتى العائلي.
لم يكن مضمون اتفاق الطائف يحتوي على إصلاحات أساسية بالنسبة
للبنان، لكن على الرغم من كل الثغرات الموجودة، اعتبرنا أنها مرحلة
انتقالية إلى مرحلة متقدمة ولا يجب أن نتوقف عند انتقاد الطائف
خاصة أن في هذا الاتفاق إيجابيات كثيرة لم تطبقها الدولة اللبنانية
وإذا لامستها لا تطبق مضمونها". لكن الدولة لم تبادر إلى إنصاف
المرأة بعد انتهاء الحرب، فكيف سعيتم لذلك؟ توضح مطر: "صدر عن هيئة
الأمم المتحدة اتفاقية دولية للقضاء على كافة أشكال التمييز ضد
المرأة، لم يكن باستطاعتنا مطالبة الدولة أن توقع على الإتفاقية
على أساس أننا كنا في ظل حرب أهلية، إنما وبعد توقيع مئة وثمانية
دول على هذه الإتفاقية، بدأنا بمطالبة الدولة بالتوقيع عليها. وهي
الاتفاقية الوحيدة الصادرة عن الأمم المتحدة، والتي تلزم إلى حد ما
الدول الموقعة عليها بتطبيقها". تشارك المرأة في دورة الحياة
الاقتصادية في لبنان، فلماذا تأخرت الدولة عن المصادقة على هذه
الاتفاقية؟ تقول مطر:"تبين أن المرأة رغم كل الإتفاقيات والقوانين
ورغم مشاركتها الجدية، إن كان في الزراعة أوالصناعة أو الثقافة
والتربية، لم تحصل على حقوقها، فجاءت هذه الإتفاقية وفرضت على
الدول الموقعة بتعديل قوانينها المحلية لتناسب بنود الإتفاقية،
والتي هي متقدمة بالنسبة للمرأة"، وتستذكر مطر المجتمع المدني الذي
وقف إلى جانب حركة المرأة في المطالبة بحقوقها، فتقول: "لم نكن
وحدنا من يقوم بمطالبة الدولة على التوقيع، فقد كان هناك العديد من
جمعيات المجتمع المدني وجمعيات حقوقية بالتعاون إلى جانب الجمعيات
النسائية، إلى أن أبرمت الدولة اللبنانية هذه الإتفاقية عام 1996،
وتحفظت على مادتان أساسيتان في الاتفاقية، وهما الحق في إعطاء الأم
الجنسية إلى أولادها إذا ما كانت متزوجة من غير لبناني، وإعطاء
المرأة الجنسية إلى زوجها الغير لبناني، كما يفعل الرجل. ولم تساوي
بين المرأة والرجل في هذه الحقوق. المادة الثانية تختص بقوانين
الأحوال الشخصية، إذ انه يجب أن تتبع المرأة طائفة زوجها في الزواج
والموت، والأولاد كذلك ولا تترك لهم حرية الاختيار، ومع احترامي
لكل طوائف لبنان، فكلهم مجحفون بحق المرأة، والتمييز واقع بين
امرأة وأخرى".
دور الدولة
قبل الحديث عن الإصلاح
الذي يأتي موضباً، ويلحظ اعتبارات سياسية وتوجهات معينة قبل أن
يلحظ الحاجات الملحة في المساواة والحقوق، ينبغي أن تُهيأ الأرضية
لذلك، ترى مطر: "انه من المفروض أن تكون الدولة هي الراعي الأكبر
لكل القوانين الموجودة على الساحة اللبنانية كقوانين العمل، الصحة،
السفر، الهجرة… على الدولة أن تعمل على قانون مدني للأحوال الشخصية
تساوي فيه بين المرأة والرجل، فلا يبقى للرجل أن يطلق زوجته بكل
بساطة، وما إلى ذلك من قضايا تشتكي فيها المرأة في المحاكم فلا
تنصف، ويجب أن تقرر المحكمة المدنية بأمر الأولاد لا المحكمة
الروحية، وأن يكون هناك حق بالاختيار للمرأة في تقرير مستقبلها كما
الرجل، وفي نهاية المطاف ترى المحكمة المدنية من هو الأصلح لبقاء
الأولاد معه". وعن كيفية تحرك الجمعية تجاه الإجحاف اللاحق بالمرأة
اللبنانية، أتت ورقة المقارنة التي تقدمت بها حركة المرأة، تقول
مطر: "لقد أجرينا مقارنة بين قوانين اتفاقية الأمم المتحدة وبين
القوانين اللبنانية المطبقة؛ وهنا لا أتكلم فقط عن قانون الأحوال
الشخصية أو قانون الجنسية بل قانون العمل والضمان الإجتماعي قانون
العقوبات وقانون التجارة. وقدمنا هذه الورقة عام 1999 إلى كافة
الوزارات والنواب ضمن حملة وطنية للهيئات النسائية والجمعيات الغير
حكومية، والنقابات العمالية، وكانت هذه الحملة مفتوحة لمن يريد
المشاركة والتغيير، هذا لأننا نؤمن بأن العمل الجماعي الضاغط يؤدي
الى نتيجة أفضل، مطالبينهم بتعديلها وتطبيق قوانين اتفاقية الأمم
المتحدة كبديل منصف بحق المرأة لتتساوى مع الرجل".
في دراسة ميدانية أخرجتها
إلى النور "اللجنة الأهلية لمتابعة قضايا المرأة" العام الحالي،
تحت عنوان "المرأة والسياسة في لبنان" تركز الباحثتان د. أمان
كبارة شعرني ود. فهمية شرف الدين على إشكالية العلاقة بين التمييز
والمساواة على صعيد المواءمة بين الأحكام الدولية والأوضاع المحلية
من جهة، وعلى صعيد عجز السياسة القائمة عن تزويد النساء بالقدرات
اللازمة التي تمكنهن من امتلاك أكبر سيطرة ممكنة على أوضاعهن،
عاقدتين شبكة المعوقات في إطار المجتمع المدني الذي تكتنفه
الضبابية لعدم وضوح التمييز بينه وبين المجتمع الأهلي، معولتين على
الحركة النسائية العريقة في لبنان، والتي يريانها ممسكة بقدرتها
على مقارعة السلطة بمراقبة ممارستها السياسية للمسار الديمقراطي.
فعلاقة "النساء بالمجتمع المدني أبرزت، ولو بشكل مبطن، إلى أن
انزلاقاً نحو التملق للسلطة قد حصل فعلاً في مكان ما أو أكثر، مما
أضاع عليها – أي الحركة النسائية – أثناء فترة الإنتخابات ممارسة
ضغط ونقد تجاه السلطة" |