علم وخبر : 199/1970

المحتوى   

أخبار المرأة:

 يوم المرأة العالمي - تاريخ وجذور

ميخال شفارتس

النساء بدأن الثورة

مئات آلاف النساء الروسيات اللواتي عانين الامية والاضطهاد والتهميش، خرجن في شباط 1917 لاول مرة الى مركز الساحة السياسية، وأسقطن النظام القيصري الاستبدادي وغيرن مجرى التاريخ. يوم المرأة الذي صنعته المرأة الروسية لم يعد مربوطا بانجاز حق الاقتراع للنساء فقط كما كان الحال قبل ثورة شباط، بل بالنضال ضد الحروب الاستعمارية ضمن السعي لتحرير الطبقة العاملة من النظام الرأسمالي.

ذكرى يوم المرأة قبل 85 عاما، وتحديدا في عام 1917، كان الصقيع يلف المدينة الروسية بتروغراد. هناك وفي ذلك اليوم المشهود اندلعت بشكل عفوي مسيرة نسائية ضخمة نظمتها عاملات وزوجات جنود وارامل، للمطالبة ب"الخبز لاولادنا" و"العودة لازواجنا من المتاريس – وبانهاء الحرب".

كان ذلك في اوج الحرب العالمية الاولى، وكان الرجال يموتون بردا وجوعا على الحدود، في حرب لم تخدم مصالحهم بل مصالح القيصر واصحاب رؤوس الاموال. وفي الجبهة الداخلية كانت اسعار المواد الغذائية ترتفع بتسارع، مما اضطر مئات آلاف النساء للخروج الى العمل، والتعرض لاستغلال مضاعف كونهن نساء، هذا في وقت لم يكن لهن حق الاقتراع. مع تراكم الثلوج والجوع والبرد تراكم احساس جماعي بالغضب الذي عم شوارع المدن الفارغة من الرجال.

امام البحر الهائج من النساء المتظاهرات، عجزت الشرطة عن الرد وبقيت سلبية ومشلولة. وعمت المظاهرة واستمرت اربعة ايام وانتهت بسقوط القيصر نيقولاي الثاني وانهيار نظامه الاستبدادي. الحكومة المؤقتة التي شكلت بعدها، منحت النساء حق الاقتراع. عرفت هذه الاحداث باسم ثورة شباط (بعد الثورة الاشتراكية تم تغيير توقيتها، من 29 شباط الى 8 آذار). وفتح هذه الثورة النسائية المجال لثورة العمال الاولى في التاريخ، ثورة اكتوبر 1917 الكبرى التي كونت الاتحاد السوفييتي، اول نظام اشتراكي في العالم.

واخذ النظام الاشتراكي السوفييتي على عاتقه قضية تحرير المرأة من كل القيود القانونية والاقتصادية والاجتماعية، واعتبرها جزءا لا يتجزأ من تحرر الطبقة العاملة. اليكساندرا كولونتاي التي انتخبت بعد ثورة اكتوبر لتكون اول وزيرة (الرفاه) في العالم، لعبت دورا مهما في رفع مكانة المرأة في المجتمع السوفييتي، وبادرت لبناء روضات اطفال وعيادات خاصة للامهات.

في يوم المرأة الذي وافق في روسيا ثورة شباط، تمكنت مئات آلاف النساء اللواتي عانين الامية والاضطهاد والتهميش، من احتلال مركز الساحة السياسية وتغيير تاريخ الانسانية. في ذلك التاريخ لم يعد يوم المرأة مربوطا فقط بانجاز حق الاقتراع وحقوق ديموقراطية اخرى للنساء والعمال، بل اقترن بالنضال ضد الحروب الاستعمارية ومن اجل السلام العادل، ضمن السعي لتحرير الطبقة العاملة من النظام الرأسمالي.

 الولايات المتحدة: خبز وورود

تعود جذور يوم المرأة العالمي الى القرن ال19، على خلفية التصنيع السريع الذي شهدته امريكا (واوربا)، حيث نمت حركات عمالية ونقابية جماهيرية ردا على تعميق استغلال العمال. ولم يكن هدف هذه الحركات تحسين ظروف العمل فحسب، بل تحويل العمال والعاملات الى قوة سياسية لذلك كان التركيز في نضالاتها على الحصول على حق الاقتراع للطبقة العاملة.

ان كون الاغلبية الساحقة من العاملين في فرع النسيج في امريكا هي من النساء، فقد لعبن دورا مهما في النضال من اجل تحديد يوم العمل بعشر ساعات ثم ثماني ساعات. وكان هذا المطلب الرئيسي الذي تصدر شعارات الاول من ايار، عيد العمال العالمي، الذي بدا الاحتفال به في نفس الفترة من اواخر القرن التاسع عشر، واحتفل به لاول مرة في الولايات المتحدة عام 1886.

ولكن رغم ان العاملات (والاطفال ايضا) عانين ظروف عمل اسوأ من العمال، فقد عملن ساعات اطول وتقاضين معاشا اقل، فان النقابات لم تتطرق لقضاياهن، فلم تشارك النساء في مظاهرات الاول من ايار بشكل جماهيري، ربما ايضا خشية قمع الشرطة الشديد.

المظاهرة الاولى للعاملات كانت في 1857 بمدينة نيويورك، حيث خرجت عاملات النسيج الى الشوارع احتجاجا على ظروف عملهن وعلى تشغيلهن 12 ساعة يوميا. وقد فرقت الشرطة المظاهرة بوحشية، الا ان هذه المظاهرات لعبت دورا في طرح مشكلة المرأة العاملة على جدول الاعمال اليومية. وبعد عامين تم تشكيل اول نقابة نسائية لعاملات النسيج في امريكا، ولكن خلافا لاوروبا لم تتبن النقابة موقفا اشتراكيا بل نسويا.

بعد خمسين عاما على هذه المظاهرات، خرج في 8 آذار 1908 ما يقارب ال15 الف عاملة بمسيرة في نيويورك تطالب بخفض ساعات العمل ورفع المعاش، ووقف تشغيل الاطفال وحق الاقتراع. وكان شعار المظاهرات "خبز وورود".

في عام 1909 اعلن 20-30 الف عاملة نسيج الاضراب العام الذي استمر 13 اسبوعا في الشتاء، مطالبات برفع اجورهن وتحسين ظروف عملهن، واعتبر هذا اكبر اضراب نسائي في تلك الفترة. مئات العاملات خرجن الى شوارع نيويورك وبعن نشرة خاصة بالصحيفة الاشتراكية "نداء نيويورك" التي دعمتهن. وكان الحزب الاشتراكي يوفر الصحيفة مجانا للعاملات ليقمن ببيعها كوسيلة لجمع التبرعات.

كما ساهم اتحاد النقابات النسائية بتوفير النقود لاطلاق سراح العاملات التي القي القبض عليهن ولدعم صندوق الاضراب. وحظي الاضراب بتضامن نساء من الطبقات الوسطى اللواتي اعطين من اوقاتهن واموالهن لدعم نضال العاملات.

من جهة اخرى، نمت في الولايات المتحدة في نفس الفترة حركات نسائية من الطبقات الوسطى طالبت بحق المرأة في المشاركة بالحياة السياسية، واولها حق الاقتراع. وكان اسم هذه الحركات "سوفراجيستس" (souffragists) وتعود جذورها للنضال ضد العبودية ومن اجل انتزاع حق الامريكيين الافارقة بالمساواة. وحين منعت النساء اللواتي شاركن في هذه الحركات من الخطاب من اجل حقوق السود لكونهن نساء، قمن بتشكيل حركة نسائية للمطالبة بحقوق المرأة ايضا.

وفي الفترة (القرن ال19) التي كان حق الاقتراع في اوروبا يعطى لاصحاب الملك الخاص فقط، ففي امريكا تبنت الحركة النسائية المطالبة بحق الاقتراع للجميع، الامر الذي جذب الكثير من العاملات للحركة السوفراجيستس التي اتسعت صفوفها في امريكا بسرعة.

وحين تبنت منظمات اشتراكية في الولايات المتحدة مطلب حق الاقتراع للنساء، احتلت بذلك الموقع القيادي في ائتلاف المنظمات النسائية (التي لم يكن لها صبغة اشتراكية). وقرر الائتلاف عام 1908 الاحتفال بيوم المرأة في يوم الاحد الاخير من شهر شباط.

وحظي اول يوم المرأة الذي تم الاحتفال به في 23/2/1909 بنجاح كبير، فقد خرجت مظاهرات نسائية ضخمة في المدن الامريكية الكبيرة وشاركت فيها نساء من الطبقة العاملة والطبقات الوسطى، اشتراكيات وغير اشتراكيات. وبرزت بين المشاركات في المهرجان في نيويورك مثلا، لينورا اورايلي من "اتحاد النقابات النسائية" التي ساهمت في تنظيم نقابات نسائية.

الحادث الفظيع الذي وقع بعد عامين من الاحتفال الوطني الاول بيوم المرأة، اكد اهمية نضال العاملات. ففي 25 آذار 1911 اندلع حريق في مصنع نسيج في نيويورك راح ضحيته اكثر من 140 عاملا وعاملة، وكان السبب عدم وجود وسائل وقائية. وكان للمصاب تأثير كبير اذ شارك في الجنازة اكثر من 100 الف مواطن، ما ادى الى تغيير قوانين العمل.

التغييرات اثرت على اوروبا بشكل كبير، ففي 1910 سافر وفد نسائي امريكي للمؤتمر العالمي الثاني للنساء الديموقراطيات الاشتراكيات في كوبنهاغن (الدنمارك)، حيث اقترح تكريس يوم المرأة العالمي.

 جذور الحركة في اوروبا

في المانيا والنمسا كانت الحركة النسائية من البداية تحت تأثير الحزب الاشتراكي الديموقراطي، الذي نشر مجلة للعاملات باسم "مساواة" منذ عام 1892، التي تولت تحريرها كلارا تسيتكين. تسيتكين وقياديات اشتراكيات اخر اقنعن الاحزاب الاشتراكية الاوروبية باهمية تنظيم العاملات في اطار نسائي سياسي مستقل عن التنظيمات النسائية من الطبقات الوسطى اللواتي طالبن بحق الاقتراع فقط لنساء الطبقات الفوقى.

في مؤتمر كوبنهاغن، وبعد نجاح يوم المرأة في الولايات المتحدة، كان الجو مهيأ لاعلان يوم المرأة العالمي. اشتركت في المؤتمر 100 امرأة من 17 دولة، مثلن نقابات نسائية واحزابا اشتراكية ونوادي للمرأة العاملة واول ثلاث نائبات البرلمان في فنلندا.

ناقش المؤتمر حق الاقتراع الذي كان يُمنح في المانيا حسب مقاييس طبقية، وكان القانون في المانيا يمنع النساء من مجرد المشاركة في اجتماع سياسي وليس الانتخابات فقط. وبعد مداولات تم تبني خط تسيتكين التي رفضت حق الاقتراع الجزئي، وطالبت بحق الاقتراع للجميع. وادى هذا الموقف لانشقاق تنظيم نسائي في بريطانيا رأى في حق الاقتراع الجزئي خطوة بالاتجاه الصحيح.

وقد ناقشت تسيتكين هذا الموقف في مؤتمر نسائي اشتراكي في المانيا عام 1906 وفسرت ان: "حق الاقتراع الجزئي يتجاوز قضية المرأة، لانه اصبح وسيلة لحماية الامتيازات للطبقات المالكة، دون تفرقة جنسية، على حساب الطبقات مسلوبة الحقوق، دون تفرقة جنسية. (النساء من الطبقة المالكة) سيستخدمن الاعتراف السياسي الذي حظين به ضد الطبقة العاملة كلها، وضد اخواتهن من النساء الفقيراتمصلحة المرأة العاملة لا تتطلب الحد من قوة وامكانية استغلالها بيد الطبقات ذات الملكية فحسب، بل اكثر من ذلك: انها تتطلب التحطيم التام لهذه القوة وهذا الاستغلال من خلال تحطيم النظام الرأسمالي. …حق الاقتراع الجزئي سيعزز قوة الطبقات المالكة، وسيتحول الى وسيلة لادامة عبودية الجماهير المستغلة سياسيا واجتماعيا".

وقد وجه المؤتمر الاشتراكي نداء للنساء الاشتراكيات في كل انحاء العالم للاحتفال بيوم المرأة العالمي كل عام. وقالت تسيتكين ان هذا اليوم يجب ان يكون له مضمون اممي. وبالفعل شاركت في احياء ذلك اليوم عاملات وربات بيوت كنّ بعيدات عن السياسة، مما عزز نضال العاملات ووحد جهود الطبقة العاملة.

وشهد هذا اليوم اجتماعات نسائية ومسيرات جماهيرية وصدور نشرات، حتى في القرى البعيدة في انحاء المانيا والنمسا والدنمارك وسويسرا، ووصلت اكبر التجمعات الى 30 الف متظاهرة، الامر الذي فاق كل التوقعات. "لاول مرة بقي الرجال مع الاطفال، بينما اعتلت ربات البيوت والعاملات المنابر الخطابية"، كما قالت الروسية كولونتاي. وفي 1913 تم الاحتفال بيوم المرأة العالمي في 8 آذار، وبقي هذا التاريخ يوم نضال المرأة حتى اليوم.

اليوم يتمتع الكثير من النساء بحق الاقتراع، وحقوق اخرى وبتحسين نسبي في ظروف حياتهن نتيجة نضالات نسائية وعمالية تاريخية ونتيجة التقدم العلمي والتكنولوجي، لكن ما زال شبح الحرب والجوع والاستغلال والتبعية، يهدد مصير النساء والانسانية جمعاء، كما تعيش منطقتنا تحت وطأة هذا الخطر يوميا، الامر الذي يؤكد الحاجة الى مواصلة النضال من اجل حرية المرأة في اطار النضال ضد الحروب والاستغلال.

(مقالات ذات صلة: في الاشتراكية السبيل لتحرر المرأة.آذار( 2002

 نحو تحويل المرأة العربية لقوة منتجة/ ميخال شفارتس

الحركة النسائية العالمية تكونت بعد خروج مئات آلاف النساء الى العمل في المصانع وتنظيمهن في نقابات نسائية. عدم مشاركة المرأة في الانتاج الاجتماعي يشكل اكبر عائق امام تحررها من قيود السجن المنزلي والتقاليد.

مراجعة مكاسب الحركة النسائية العالمية في المئتي عام الاخيرتين، تثير بحدة حقيقة ان الاغلبية الساحقة من النساء العربيات لم يصلن بعد الى ادنى الظروف والحقوق التي حصلت عليها غيرهن من النساء قبل قرن من الزمان. هناك دول عربية لا تزال تحرم المرأة من حق الاقتراع ومن العمل وحتى من قيادة السيارة.

وحتى في الجمهوريات العربية التي حصلت فيها المرأة على حقوقها كمواطنة، فلا تتمتع بفرص عمل حقيقية، وهي محرومة غالبا من حقها بالمشاركة في العمل الانتاجي (عدا انتاج الاولاد)، الامر الذي يحوّلها الى قوة سلبية وعبء على المجتمع. في هذه الظروف لا يكون بمقدورها ان تنتج ايضا اية ثقافة او علم او تؤثر على الحياة السياسية.

في الدول العربية تعتبر النساء اللواتي تعلمن او دخلن سوق العمل ورفعن صوت المرأة المظلومة وتأطرن في حركات نسائية، اقلية صغيرة وينتمي معظمهن للطبقات الوسطى، الامر الذي يعني ان الحركات النسائية في العالم العربي تفتقد امتداداتها بين الاغلبية الساحقة من النساء اللواتي بقين معزولات في بيوتهن دون افق للتغيير. في هذا الوضع يصبح دور هذه الحركات اعلاميا اكثر منه عمليا الامر الذي يفسر محدودية مكاسبها. وتزيد من هذه المحدودية طبيعة الانظمة العربية الدكتاتورية، فعلى سبيل المثال اضطرت الدكتورة نوال السعداوي، الباحثة النسوية المعروفة، الى ترك بلدها مصر واللجوء الى امريكا، بسبب ملاحقات النظام.

الدول التي لعبت فيها النساء دورا مهما في الحركة الوطنية، وشاركن الى جانب الرجال في النضال ضد الاستعمار، كما في الجزائر وفلسطين مثلا، لم تفسح المجال لتقدم المرأة. فبعد استقلال الجزائر وبعد دخول سلطة عرفات الى المناطق المحتلة، تراجعت قوة الحركات النسائية وعادت المرأة لتلعب دورها التقليدي.

وضع العالم العربي اليوم الذي يعاني من ازمات اقتصادية وتفشي البطالة والفقر وارتفاع نسبة الامية، يشكل حاجزا كبيرا امام المرأة. ان تحرر المرأة لا يأتي باجتهاد ذاتي، بل كجزء من معركة اجتماعية واسعة النطاق لتحرير المجتمع من كل انواع الاستعمار والاستبداد، واطلاق الحريات الديموقراطية التي من خلالها يمكن ان تلعب المرأة دورها كعنصر فعال.  

   
   
  نرجو الإتصال بمدير موقعنا. Copyrights LLWR 2011©. كافة الحقوق محفوظة.