لجنة حقوق
المرأة
قصر
الاونسكو، الاربعاء 25 نيسان 2018
احتفال
المسابقة الثقافية 2017-2018
د. إلهام الكلاَّب
ايها الحضور
الكريم،
اهلاً وسهلاً
بكم هذا المساء، مدراء مدارس واساتذة واصدقاء، وخاصة تلامذة اعزاء
نحتفي بمشاركتكم في هذه المسابقة السنوية، والتي تبذلون جهداً
وفكراً وحماسة في تقديمها لنا على صفحات الامتحان.
لقد اخترنا هذه
السنة، لا لنمتحن معرفتكم ومواقفكم، بل لنتشارك، ومن جيل الى جيل
آخر، من جيلنا الى جيلكم، في معالجة ومواجهة موضوع العنف بكل
اشكاله وتمثلاته من نزاعات وحروب وتهجير، الى عنف جسدي ونفسي
واسري...
ايها الاعزاء،
نشهد اليوم اقتحام العنف، واقعنا الوطني والاجتماعي وحياتنا
اليومية بكل ابعادها، مهدداً كل البنية الحضارية التي جَهدَ
اجدادنا واجداد الانسانية في ارسائها، مزعزعاً كل القيّم التي ترقى
بالانسان والشعوب وملطخاً مسار الانسانية بالدم والقمع والانحلال
والانحدار.
لقد قرأنا
بامعان كل ما كتبتم...وهو كثير، وتوقفنا باعجاب وتقدير عند تعابير
ومواقف خرجت من تقليدية الوصف والتكرار الى الفرادة والابتكار.
ولقد اجدتم في
تعريفكم لمفهوم العنف وفي تحليل انواعه وتاثيراته الجسدية،
والنفسية، والاجتماعية، والاقتصادية، والسياسية، من ضربة كفّ
لضعيف، الى قصف لمدن وابرياء، مواجهين، متاملين، تائقين الى مجتمع
مسالم، مقبل على الحياة والسمو.
كم كانت حيرتنا
كبيرة في تقييم مسابقاتكم، فكلكم مستحّقون، وليس من كان الاول هو
افضل من الثاني، ولكن...اضافة صغيرة او لمحة تجديد...كانت تُرّجح
ولو بالتوازي، مسابقة على اخرى...
حيال هذا الوعي
الذي تشّكل في اذهانكم، لا بد من التساؤل المُلّح : ما العمل الان؟
كيف نواجه هذه القسوة التي تستهدف غالباً الاضعف والارهف والتائق
الى عالم سلم وانسانية وفرح؟
لقد شكّلت ثقافة
العنف جزءاً كبيراً من تصوراتنا ورؤيتنا للعالم، لذا اتى مفهوم
اللا عنف ليقلب هذه المعالم.
فعلى المستوى
الدولي،
اعلنت الجمعية العامة للامم المتحدة سنة 1998 سنوات 2001 و2010
عقداً دولياً لاعلاء ثقافة اللاعنف والسلام لصالح اطفال العالم...
نحن الآن سنة
2018، فاين اطفال العالم اليوم ضحايا العنف والحروب؟
مشردون، جياع،
مجندون في مواقع النزاع، ضائعو المستقبل في عصر التسابق المحموم
على التسلح، ونمو الارهاب، وتفشي العصبيات، ومقتلة شعوب، وتهّدُم
بلدان؟
ولكن التاريخ
الانساني يرفدنا بامثلة عديدة ناضلت وانتصرت في نضال لا عنفي
نموذجي لالغاء العنصرية والاستعباد.
من غاندي الذي
قدّم للعالم وللانسانية مفهوم اللاعنف الذي حرّر به الهند من
الاستعمار،
الى مارتن لوثر
كينغ الذي يستعيد العالم الذكرى الخمسين لاغتياله، والذي قاد مسيرة
تحرير قومه بقوة المحبة واللاعنف،
الى مجال
التربية، وهو اساسي، حيث طوّرت مفاهيم اللاعنف والمدارس اللاعنفية،
انظمة ومؤسسات تربوية لا تسلطية، لا عنفية، ترتَكز على تنمية شخصية
التلميذ وتفتيح ابداعاته ومهاراته، نحو الحّب والخلق والتعاون،
وتحريك الرغبة في التعلم بدل التلقين والعقاب والتصنيف، والتمرس
منذ الصغر في الحل التفاوضي واللاعنفي لاي نزاع.
وابشركم بان
قراراً في وزارة التربية الوطنية ينص على ادخال تعاليم وتمارين
ثقافة اللاعنف، ليس فقط الى بعض المواد التعليمية، بل الى مفاهيم
التعليم والتربية والعلاقة بين المدرسة والتلميذ.
ولا ننسى جهود
الجمعيات الاهلية التي تصّدت الى احد مظاهر العنف الاكثر مأساوية
وانتشاراً في العالم، وهي العنف ضّد النساء، والتي اخرجت ضحاياه،
من العذاب التاريخي المكتوم الى جرأة التعبير والمواجهة، فاحتضنت
القضية جمعيات متخصصة قادرة واعية، وسعت الى تحويلها الى قضية
قانونية وناضلت للوصول الى تبديل في الذهنيات كما في القوانين
المجحفة...ناضلت من رفض الخضوع لمنطق العنف، الى عدم التواطؤ مع
العنف، الى الافصاح والمعالجة والعدالة.
كما نتوقف
بامعان عند كل نتاج فكري او ابداعي او فني، في الرواية
والشعر والمسرح والسينما والرقص والموسيقى والغناء، يناهض العنف
ويُحّفز على مقاومة تستثير القيم والفرح والسمو والاخوة الانسانية
والذائقة الفنيّة...
فالفن رسالة
حياة وسلام وجمال...الجمال... الذي، حسب الاديب الكبير دوستويفسكي،
هو الذي يُخلص العالم...
اوّد هنا، لكي
استثير خيالكم، ان اشير الى معرض فنّي في بيروت لفنانة شابة يحمل
عنوان "هويات متواصلة" ويعبّر عن فكرة ابداعية كما عن رسالة
سياسية، في اعتماده على منحوتات تستخدم شكل القذيفة لتحوّلها من
ادآة تدمير الى قطعة فنيّة تزدان بتراث حوالى ستين بلداً تروي
حكاياتها من خلال تراثها وتاريخها وتواصل هوياتها.
اخيراً،
ان العنف انتهاك
للكرامة الانسانية... ومسلسل لا ينتهي الا بالامتهان والدمار...
واللاعنف موقف
اخلاقي انساني في الحكمة والعدالة والمحبة والفاعلية.
فلا تكونوا فعلة
اوضحايا...لا تكونوا ضحايا عنف الذات، كما لا تكونوا ضحايا عنف
الآخرين...
لا تهربوا من
النزاع، بل تدّربوا على ملاقاته بالشجاعة والحكمة واحترام كرامة
الانسان.
ردّدوا في قرارة
انفسكم : نعم للحياة... نعم للحّق والحّب ورحابة النفس!
فنحن بحاجة الى
نقائكم وحماستكم والتزامكم لخلاص الانسانية والعالم في هذا الزمن
القاتم الذي لن يخلصه الا الانقياء. |