مداخلة الاستاذة عائدة نصر الله الحلواني رئيسة لجنة حقوق المرأة اللبنانية
في ورشة عمل جمية مساواة وردة بطرس للعمل النسائي ولجنة حقوق المرأة اللبنانية حول دعم وحماية المرأة من العنف والزواج المبكر
بيروت – اوتيل الكومودور – 3 و4 تشرين الثاني 2018
حول ” وضع قوانين الأحوال الشخصية في لبنان”
قوانين الأحوال الشخصية في لبنان متباينة ومتعددة بتعدد الطوائف والمذاهب (15 قانون لـ 18 طائفة أو مذهب)ومحاكم طائفية ومذهبية مختلفة للموضوع نفسه.
بعض هذه الطوائف في لبنان، أطلق عليها اسم الطوائف التقليدية أو التاريخية وعددها 18 طائفة، لها الحق في أن يكون لها قانون خاص للأحوال الشخصية؛ وبعضها غير تقليدية – يضاف إليها كل من يريد أن تكون الدولة مصدر التشريع الوحيد له – وعدت الدولة بإصدار قانون مدني يطبق عليها، واصطلح على تسمية هذه الطوائف بـ “طائفة الحق العادي” (القرار 60 ل.ر. في القرار الصادر عام 1936). لكن الدولة لم تصدر أي قانون مدني للأحوال الشخصية، مما فتح ثغرة في التشريع، وأبقى فئة من اللبنانيين بدون قانون أحوال شخصية.
إن التركيبة الطائفية والمذهبية المكرسة في الدستور، والتي قامت على أساسها الصيغة اللبنانية، كما تفويض الطوائف والمذاهب بالحل والربط في مسائل الأحوال الشخصية، أنتج تعدداً في المرجعيات القانونية في مجال الأحوال الشخصية وعدم مساواة بين المواطنين أمام هذه القوانين، ولا سيما بين الرجل والمرأة، إضافة إلى عدم عدالة هذه القوانين وقصورها عن التعبير عن الوضع الحالي للنساء في مختلف ميادين الحياة تبعاً لأدوارهن الجديدة.
ثغرات ومساوئ الرجال قوامون على النساء، والرجل رأس العائلة، وعلى الزوجة إطاعة زوجها بالمعروف عند المسلمين والمسيحيين على حد سواء في قوانين الأحوال الشخصية الطائفية القائمة.
– الزواج : سن مبكر – غير مباح غالباً بين الطوائف المختلفة.
– الطلاق : سهل، هو في يد الرجل في بعض الطوائف، وشبه مستحيل في طوائف أخرى، خاضع للتحايل والتملص والمراوغة، ضيق المجال أمام المرأة…
– سن الحضانة : يختلف بين طائفة وأخرى (أو مذهب وآخر) وبين الصبي والبنت في المذهب نفسه أحياناً، يسلخ الطفل عن أمه في سن مبكر، ولا تراعى فيه مصلحته في جميع الأحوال.
– الولاية والوصاية : السلطة العائلية للرجل – لا تؤخذ مصلحة الصغير بعين الاعتبار، خاصة عندما يتعلق الأمر بالبنات، فإنها تتعدى الحدود المعقولة والمقبولة كتشغيل الأب للبنت الصغيرة أو تزويجه إياها تبعاً لمصلحته.
– الإرث : مختلف بين طائفة وأخرى، غالباً لمصلحة الذكور، لا توارث عند اختلاف الدين.
– المصادر التي استقيت منها هذه القوانين متعددة : الموروثات والتقاليد – مصادر دينية مسيحية واسلامية- حركة الواقع المتغير.
– المحاكم التي تخص الأحوال الشخصية : متعددة ومتباينة وتمييزية.
– غياب أي تشريع يؤمن الحماية الفعليةللمرأة من العنف الأسري : رغم صدور قانون “حماية المرأة وسائر أفراد الأسرة من العنف الأسري”، رقم 293 العام 2014.
وهذا ينعكس في النواحي الاجتماعية والوطنية والانسانية عامة :
– تناقضاً مع ما جاء في مقدمة الدستور الفقرة (ج) ومع مضمون المادة (7) من الفصل الثاني منه؛ إذ إن المواطن اللبناني ملزم أن ينتمي إلى طائفة أو مذهب .
– انعدام المساواة بين المواطنين في الحقوق والواجبات لمجرد وجود قوانين متباينة ومحاكم مختلفة.
– تناقض الوضع الحالي مع الحق في تأسيس عائلة المُقر في الإعلان العالمي لحقوق الانسان.
– تناقضاً مع شرعة حقوق الطفل. (الزواج المبكر).
– تناقضاً مع الاتفاقية الدولية لإلغاء التمييز ضد المرأة (سيداو) وسائر المواثيق الدولية.
– يظهر الوضع الحالي خللاً فاضحاً، بل نقصاً في التشريع اللبناني في مجال الأحوال الشخصية.
– حق السيادة منتهك في ظل تطبيق قوانين أجنبية على الزيجات المدنية المعقودة في الخارج.
– يشجع الوضع الحالي على التحايل على القانون وعلى الدين أيضاً.
– إن إبقاء قوانين الأحوال الشخصية على ما هي عليه من التعدد والاختلاف، سيؤدي حتماً إلى واقع اجتماعي مشرذم.
وينعكس على المرأة
– مواطنية منقوصة – تبعية للرجل – هو صاحب السلطة في الأسرة وفي العمل.
– كما ينعكس سلباً على المرأة في القوانين الأخرى :
– عدم مساواة في مواد كثيرة في قانون العقوبات.
– عدم مساواة في مواد في قانون الضمان الاجتماعي (المادتان 16 و26).
– تمييزاً في الممارسة كذلك : العاملات الزراعيات مهمشات، لا يشملهن أي قانون – تمثيل النساء في النقابات لا يزال مزرياً، خاصة في مراكز القرار – المشاركة السياسية بائسة.
– عدم ملاءمة قوانين الأحوال الشخصية الحالية مع تغير واقع المرأة العلمي والاجتماعي.
– تحفظ الدولة على اتفاقية CEDAW المادة 16 والمادة 9.
– تأقلم المرأة مع الواقع الظالم.
القانون المدني الموحد للأحوال الشخصية هو الحل
أ- يجب الإشارة أولاً إلى :
1- أن الزواج المدني غير ممنوع على اللبنانيين واللبنانيات ! إذ يسمح لهم ولهن أن يعقدوا زواجاً مدنياً خارج لبنان، وفي حال وقوع أي نزاع، يطبق القاضي اللبناني عليهن، القانون الأجنبي الذي جرى عقد الزواج على أساسه.
2- في العام 2013، نجحت بعض مؤسسات المجتمع المدني وجمعياته في تسجيل خرق في جدار نظام الأحوال الشخصية المذهبي والطائفي، وذلك في تسجيل عقود زواج مدني داخل لبنان استناداً إلى الدستور وإلى القرار 60 ل.ر الصادر عام 1936. ولكن هذا الأمر ما لبث أن أوقف سريعاً من قبل وزير الداخلية، وكانت حجته المعلنة أننا لا نستطيع إجراء عقود زواج مدني في لبنان دون وجود قانون مدني لبناني للأحوال الشخصية، فهذا القانون يجب أن نسعى، كما قال، لاستحداثه أولاً !!!
3- أن التمييز الصارخ ضد المرأة الكامن في كل مفاصل نظام الأحوال الشخصية الطائفي والمذهبي في لبنان، يشرع العنف ضد المرأة في كثير من مواد قانون العقوبات اللبناني ويمنع عن المرأة اللبنانية المتزوجة من غير لبناني الحق في إعطاء جنسيتها لأولادها، ويسمح أيضاً بتزويج الأطفال وخاصة الفتيات الصغيرات ليتحولن إلى سلع للبيع والاتجار بهن !!.
ب- إن كل ذلك وغيره من الأسباب الكثيرة الأخرى، نجد أن لا حل حقيقياً لها، ولا لهذا الكم المخيف من اللاعدالة والقهر اللاحقين بالمرأة، إلا باستحداث قانون مدني موحد للأحوال الشخصية في لبنان من المنطلقات التالية :
– لأنه، أي القانون المدني الموحد، يحقق مبدأ المساواة المقر بالدستور وبشرعة حقوق الانسان والاتفاقية الدولية “سيداو”.
– لأن إقرار مثل هذا القانون يجعل اللبنانيين متساوين تجاه الوظيفة العامة والإدارة العامة للبلاد؛ إذ يؤدي إلى إمكانية إلغاء الطائفية في السياسة والإدارة كما لعبة المحاصصات.
– لأن حق المرأة في المواطنة الكاملة ومن ضمنه (حق المرأة اللبنانية المتزوجة من أجنبي في قانون الجنسية )، يؤدي إلى الاستقرار وإلى إزالة الغبن اللاحق بأولادها.
– لأنه يتجاوز الأنانيات التي تقسم، للوصول إلى القواعد العامة التي تجمع، بهدف الوصول إلى مجتمع موحد لا يميز على أساس الدين أو العرق أو الجنس.
– لأنه قابل للتعديل تبعاً لدينامية التغيير التي تطرح على العلاقات بين الناس، ويعدل من قبل ممثلي الشعب ويطبق من قبل المحاكم المدنية.
– لأنه يحقق مبدأ السيادة فلا يطبق في لبنان وعلى زيجات اللبنانيين المعقودة في الخارج، سوى قانون مدني لبناني موحد للأحوال الشخصية.
– لأنه يسد ثغرة في التشريع، ويسهم في وضع الحلول للمشاكل التي يخلقها الوضع الحالي على صعيد الزواج والطلاق والبطلان والبنوة والولاية والوصاية والإرث والوصية…
– لأنه يحد من التحايل على القانون وعلى الدين الذي نجل ونحترم.
– لأنه يسهم في تنظيم أوضاع شريحة واسعة من اللبنانيين واللبنانيات (الفئات الشابة المنفتحة على مبادئ العدالة والمساواة والديمقراطية – الطوائف غير التقليدية – والزيجات المختلطة).
دور الحركة النسائية في المطالبة بقانون مدنيموحّد للأحوال الشخصية
إن طرح قانون مدني للأحوال الشخصية في لبنان ليس بجديد ! بل يعود إلى ثلاثينات القرن الماضي والسنوات اللاحقة، ويرتكز على تداعيات لها علاقة بتطور الفكر التشريعي في لبنان وبالحركة النضالية الديمقراطية وهو، أي القانون، كان ولا يزال محط اهتمام مؤسسات اجتماعية وحقوقية وأحزاب سياسية علمانية؛ كما يستند إلى تراكمات نضالية ومشاريع عديدة طرحت، فشكلت النساء مكوناً فاعلاً في كل منها. واسمحوا لي أن أذكّر بأهم المشاريع (بترتيب عشوائي) :
– مشروع نقابة المحامين 1951.
– مشروع الحزب الديمقراطي 1971.
– مشروع الحزب العلماني الديمقراطي 1981.
– مشروع الحزب الشيوعي اللبناني 1934.
– مشروع الحزب السوري القومي الاجتماعي 1997.
– مشروع البرنامج المرحلي للحركة الوطنية اللبنانية 1975.
– مشروع الرئيس الياس الهراوي 1998.
كما تجدر الإشارة هنا، إلى أن النساء المنتميات إلى جمعيات نسائية أو مختلطة، قد شاركت بكثافة في تظاهرات مطالبة باستحداث قانون مدني للأحوال الشخصية، نذكر منها : تظاهرة الـ 3000 شخص انطلاقاً من كنيسة مار مخايل في بيروت تحت المظلات ووابل الأمطار. كما سارت النساء بأعداد ضخمة في تظاهرة للمطالبة بدولة مدنية علمانية تفصل بين الدين، والدولة وشؤون الحكموالتي قاربت الـ 30,000 شخص، وشكلت منعطفاً هاماً في مسار إقرار قانون مدني موحد للأحوال الشخصية في لبنان.
وإضافة إلى المشاريع أعلاه، برزت مبادرات، ونشأت تجمعات، نذكر منها مبادرة لجنة حقوق المرأة اللبنانية العام 1980، التي طرحت القانون المدني بين عشرة بنود، شكلت ميثاق حقوق المرأة اللبنانية. كما جددت اللجنة سعيها بإعادة إطلاق مبادرة حول القانون المدني العام 1998 وتم تأسيس “هيئة دعم قانون مدني للأحوال الشخصية في لبنان” وذلك في مؤتمر صحفي في 13 شباط 1998 في نقابة الصحافة اللبنانية؛ وقد ضمت هذه الهيئة مؤسسات مدنية وجمعيات نسائية وشبابية وحقوقية وممثلين عن الأحزاب السياسية العلمانية. ونشير هنا إلى العديد من ورش العمل في المناطق اللبنانية كافة، وإلى الحملات الإعلامية والسميناراتالطالبية. هذا إلى جانب مبادرات نيّرة أخرى – لا مجال لتفصيل عملها الآن.
الحركة النسائية دورها مؤثر بلا شك، وهي قادرة أن تحدث فرقاًوأن تشكل قوة ضغط لإقرار القانون؛ شرط أن تدرك النساء أن المرأة هي أكثر المتضررين من النظام الطائفي اللبناني وأسسه القائمة على قواعد طائفية ومذهبية وفي مقدمة هذه القواعد : قوانين الأحوال الشخصية القائمة وما تشتمل عليه من قهر وتمييز وتخلف؛ خاصة ما يتعلق بتزويج الطفلات الظالم والمذل الذي يعرضهن لكل أنواع العنف بما فيها البيع والاتجار.
وعلى أمل أن يتزايد عدد النساء المقتنعات بان جُل ما تعانيه النساء؛ إنما يكمن في ثنايا قوانين الأحوال الشخصية الطائفية القائمة؛ يجب أن تبقى مطالبتنا بالقانون المدني الموحد حيّة، وأن تشكل أولوية في معركتنا المطلبية من أجل الحق والعدالة والمساواة والمواطنة الكاملة.