ليندا مطر سنديانة الوطن وريحانة النضال | سمير دياب*
يقال أن عودَ السنديان مقاوم صلب، وجذور السنديانة ممتدة ومترسخة في عمق الارض، وكلما انغرست أكثر، نضرت واخضرت وشمخت ونبضت بالحياة. هذا الحال، يماثل تاريخ سيرة حياة ليندا مطر من المهد إلى اللحد.
هي سيرة كفاح لمناضلة قوية، لكنها محفوفة بالتعب والسهر والمخاطر. فيها تراجع وفيها تقدم، فيها انكسارات وفيها انتصارات. لكن لم تسجل ليندا في سيرورة نضالها حالة استسلام أو انهزام واحدة.
ليندا مطر اختارت طريقها منذ الصبا، ورسمت خارطة أهدافها، وأشهرت انحيازها بالقول والممارسة الثورية لطبقة العمال والفلاحين والفقراء والمسحوقين، ولقضية التحرر الوطني والطبقي، وتوأءمت مع قضايا تحرر المرأة وحقوقها بصفتها قضية وطنية بأمتياز.
من أين يمكن أن نبدأ مع ليندا مطر، العاملة والمثقفة، أو المناضلة ضد النظام السياسي الطائفي البطريركي الذي يتفن فنون الاستغلال والقمع والقهر الإنساني، والقادر على تحويل المواطنين إلى ارقام اتتخابية طائفية تابعة لهذا السلطان أو الزعيم كأنه القضاء والقدر.
أم نبدأ من الشابة الثورية المتمردة على المجتمع الذكوري وموروثاته الاجتماعية والثقافية المتخلفة. وفي مقدمتها تهميش دور المرأة وتكريس دونيتها بدعم غير مشروط وإيعاز من نظام الملل والمحاصصات الطائفية والمذهبية .
أم نبدأ مع ليندا المقاومة الوطنية ضد الاستعمار الاجنبي والاحتلال الصهيوني وكل مشاريع الاستعمار الامبريالية وجميع اشكال التفتيت والتطييف والتبعية والتطبيع مع الكيان الصهيوني.
أم نبدأ من النضال الوطني الديمقراطي من اجل وحدة لبنان وعروبته وتطوره الديمقراطي، وصولا لقيام “وطن حر وشعب سعيد”.
رحلة ليندا مطر بدأت من خلال العمل السياسي الوطني السري مع حزب الشعب (الشيوعي). ثم مع لجنة حقوق المرأة اللبنانية حيث مقرها ومستقرها لعقود زمنية طويلة ناضلت لترسيخ الحرية والمساواة والعدالة الاجتماعية والغاء كل اشكال التمييز ضد المرأة. ونكمل مع لجنة الامهات، والمجلس النسائي اللبناني، والمركز الاقليمي العربي للاتحاد النسائي الديمقراطي العالمي، والجمعيات النسائية الفلسطينية ارتباطا ودفاعا عن القضية الوطنية الفلسطينية المشروعة ونضال ومقاومة الشعب الفلسطيني، وتكريس الحقوق المدنية والاجتماعية للاجئين الفلسطينيين في لبنان.
وأتوقف عند تأسيس “اللقاء الوطني للقضاء على جميع اشكال التمييز ضد المرأة ” في تسعينيات القرن الماضي حيث انتقلت معرفتي بالمناضلة ليندا مطر من ضفة الصداقة والعلاقة الرفاقية الى ضفة الشراكة الكاملة معها وباقة من السيدات المناضلات الرائدات للعمل على تعديل وتحديث القوانين، وفق اتفاقية “سيداو” واطلاق الحملات الوطنية من أجل قانون مدني موحد للاحوال الشخصية ، وتعديل قانون الجنسية ( حق المرأة اللبنانية بأعطاء الجنسية لاطفالها (تحت شعار: لإنهم اولادي جنسيتي حق لهم)، وحق الكوتا النسائية بنسبة 30% مرحلية ومؤقتة وفق قانون انتخابي ديمقراطي عصري قائم على ثلاثية “النسبية والدائرة الوطنية الواحدة خارج القيد الطائفي”، وحماية المرأة من العنف الاسري وغيره، والقضاء على تزويج القاصرات ورفع سن الزواج الى 18 سنة (للجنسين)، وخفض سن الاقتراع الى 18 سنة، والغاء عمليات الاتجار بالبشر. والتوقيع على العرائض الوطنية لوضع الاتفاقات الدولية موضع التطبيق الالزامي (سيداو – الطفل..)، وحماية العاملات في الخدمة المنزلية، وتقديم مشاريع قوانين ضمن مذكرات الى الهيئات التشريعية والتنفيذية لتحديث قوانين الاحوال الشخصية والجنسية وقانون العمل والعقوبات .. الخ، ونشر الوعي على حقوق المرأة في لبنان والعالم العربي.
لقد قرأت ليندا مطر جيدا مسارها، وأدركت حجم المواجهة ضد الخصم الطبقي، لكنها بقيت متمسكة بجذورها الوطنية ومبادئها الاشتراكية، وأفنت عمرها في العمل السياسي والاجتماعي، وأضافت على المواقع القيادية التي تبوأتها القيمة والمقام.
لروحك الطيبة كلامي
ولك من رفيقك يا سنديانة الوطن وريحانة النضال سلامي
تحية حب في عليائك، وتحية وفاء لمشوارك الوطني والعربي والاممي.
لك مني قبلة ودمعة ووردة حمراء يا صاحبة الوجه القمري الجميل.
كم انا فخور بصداقتك ورفقتك والتعلم منك. لروحك السلام.
*كلمة في احتفال تأبين المناضلة الراحلة ليندا مطر/بدعوة من لجنة حقوق المرأة اللبنانية- بيروت في 4 آذار 2023/ قاعة نقابة المهندسين في بيروت