باقون ما بقي الزعتر و الزيتون . ٣٠ آذار ، يوم الأرض ذكرى لن تمحى .
يحيي الفلسطينيون في أراضي 48 والضفة الغربية وقطاع غزة والشتات، ومعهم المتضامنون والأحرار في أنحاء العالم، الذكرى السنوية ليوم الأرض في وقت تزداد شراسة الاحتلال الإسرائيلي وجرائمه المستهدِفة للأرض والشعب الفلسطيني المتجذّر في أرضه والمتمسّك بحقّه المشروع في المقاومة دفاعاً عن أرضه ومستقبل أطفاله. صحيح أن المأساة الفلسطينية بدأت حتى قبل التاريخ الرسمي للنكبة والمدوّن بسنة 1948، لكن الثلاثين من مارس كتب بداية مرحلة جديدة بمزيد من الدماء. وحتى لو كان المغتصب هو الذي أطلق الشرارة بقراراته التهويدية، فإن هذا هو منطق الصراعات، فالمعتدي يضيف للمعتدى عليه أسباباً تدفعه للثورة والمقاومة.
وبهذا المعنى كانت هبّة الثلاثين من مارس 2016، صرخة احتجاجية في وجه سياسات المصادرة والاقتلاع والتهويد التي انتهجها الكيان الإسرائيلي، وتمخض عن تلك الهبّة مناسبة تاريخية حملت عنوان «يوم الأرض». صحيح أن تلك الهبّة، كما اللاحقات، لم تمنع سرطان الاستيطان من التمدّد، لكنّها أسست لمسار تجذّر الهوية الوطنية الفلسطينية، وأرست الأرضية لثقافة ديمومة المقاومة، وإن على شكل مد وجزر.
السلطات الإسرائيلية كانت السبب اللحظي المباشر لإشعال الشرارة عندما أعلنت في 29 مارس 1976، مصادرة نحو 21 ألف دونم من أراضي عدد من القرى العربية في الجليل ومنها عرابة، وسخنين، ودير حنا، وعرب السواعد؛ وذلك لتخصيصها لإقامة المزيد من المستوطنات في إطار مخطط تهويد الجليل وتفريغه من أصحابه الفلسطينيين، وهو ما أدى إلى إعلان الفلسطينيين في الأراضي المحتلة عام 48 في اليوم التالي الثلاثين من مارس.
في ذلك اليوم أعلنت منطقتا الجليل والمثلث الإضراب العام الشامل في 30 مارس احتجاجاً على سياسية المصادر. وبمجرّد الإعلان عن الإضراب وقبل سريانه، كان التعاطي الإسرائيلي عسكرياً دموياً إذ اجتاحت قوات الاحتلال مدعومة بالدبابات والمجنزرات القرى والبلدات الفلسطينية وأخذت بإطلاق النار عشوائياً.
فسقط الشهيد خضر ياسين من قرية عرابة في 29 مارس، وبعد انتشار الخبر صبيحة اليوم التالي 30 مارس انطلقت الجماهير الفلسطينية في تظاهرات عارمة فسقط خمسة شهداء آخرين هم: خضر خلايلة، خديجة شواهنة، رجا أبو ربا، وثلاثتهم من سخنين، والشهيد محسن طه من كفر كنّا، والشهيد رأفت الزهيري في الطيبة، إضافة إلى عشرات الجرحى والمصابين.
التاريخ لا يعرف انتفاضات تسقط من فوق، إنما هي نتاج تراكمات كمية تنفجر على شكل تحوّل نوعي. وفي هذا السياق، ينبغي ملاحظة أن إسرائيل صادرت نحو مليون ونصف المليون دونم منذ اغتصابها فلسطين، حتى عام «يوم الأرض» 1976، ولم يبقَ بحوزة الفلسطينيين نتيجة هذه السياسة سوى نحو نصف مليون دونم، عدا ملايين الدونمات من أملاك اللاجئين التي استولت عليها إسرائيل تحت مسمى «أملاك غائبين».
في الأول من مارس 1976 كشف النقاب عن وثيقة سرية حملت فيما بعد اسم واضعها وهو (يسرائيل كنغ)، في مضمونها إفراغ الجليل من الفلسطينيين، تحت عنوان مواجهة التفوّق الديمغرافي، حيث دعت «وثيقة كنغ» إلى تقليل نسبة الفلسطينيين في منطقتي الجليل والنقب، وذلك بالاستيلاء على ما تبقى لديهم من أراض زراعية ومحاصرتهم اقتصادياً واجتماعياً، وبتوجيه المهاجرين اليهود الجدد للاستيطان في المنطقتين، وتكثيف الاستيطان اليهودي في شمال الجليل.
جنون إسرائيل من هبة «يوم الأرض»، سببه أنها كانت أول تحد لها منذ اغتصاب فلسطين عام 1948. ولم يوقّف ذلك الجنون ارتباطاً باستمرار الصراع على حق لم يعد لأصحابه بعد.
ورغم مرور (40) عاماً على يوم الأرض ووثيقة التهويد «الكتغية»، لم يتبخّر فلسطينيو الـ 48 بل تجذّروا في أرضهم وأصبح عددهم نحو 1.5 مليون نسمة بعدما كانوا 150 ألف نسمة فقط عام 1948.
بعد أربعين عاماً من تلك المناسبة المفصلية في التاريخ الفلسطيني، نستطيع القول إن يوم الأرض جذّر حقيقة أن الأرض الفلسطينية التي اعتمدتها الأدبيات الصهيونية ركناً أساسياً في مشروع اغتصاب فلسطين منذ مؤتمر بازل السويسرية عام 1897م، حيث دأب الكيان على ممارسة سياسة التهويد والاقتلاع عبر مصادرة الأرض وارتكاب المجازر والتهجير.
ويبقى إحياء ذكرى يوم الأرض ليس مجرد ذكرى سنوية، بل معركة متجددة وحرب متواصلة لاستعادة الحق الفلسطيني المغتصب، مهما غلت الأثمان من دماء الشهداء والجرحى وعذابات الأسرى، في ظل صمت وتواطؤ وداعم من بعض الدول الراعية لمشروع إقامة هذا الكيان في فلسطين.
في عام 1950 تبنت الحكومة الإسرائيلية قانون العودة لتسهيل الهجرة اليهودية إلى إسرائيل واستيعاب المستقدمين اليهود من بلدانهم الأصلية. وفي المقابل سنت قانون أملاك الغائبين الذي تصادر بموجبه مصادرة الأراضي التابعة للاجئين الفلسطينيين الذين هجّروا من أرضهم.