أطفال اللجوء في كل مكان : اول من يدفع الثمن نتيجة النزاعات والحصار وانعدام الامن ونتيجة لأكبر انتهاك لحقوق الانسان عبر الإتجار بالبشر
امرأة كولومبية تحصد “جائزة نانسن للاجئ “، لمساعدتها الأطفال المعرضين للاستغلال الجنسي.
تنام مايرلين فيرغارا بيريز وهاتفها على الوسادة. وبصفتها مديرة مأوى يستضيف عشرات الأطفال والمراهقين الذين نجوا من العنف والاستغلال الجنسيين في ريوهاتشا، الواقعة على الحدود الشرقية لكولومبيا مع فنزويلا، فإنها لا تعرف أبداً متى قد يتم الاتصال بها لحل أزمة ما.
تم إنقاذ الأطفال من الجلوس في زوايا الشوارع وبيوت الدعارة والحانات حيث أُجبروا على الوقوع في براثن الاستغلال الجنسي – أحياناً عن طريق شبكات الاتجار بالبشر – أو إخراجهم من منازل أسرهم التي يتعرضون فيها لسوء المعاملة، وقد عانى الأطفال الذين تعنى بهم مايرلين من صدمات نفسية لا يمكن تصورها. أما رحلة علاجهم وتعافيهم فهي طويلة ومضنية.
وقالت مايرلين، البالغة من العمر 45 عاماً والذي يطلق عليها اسم مايا: ”لقد عطلت الانتهاكات الجنسية التي تعرضوا لها قدرتهم على الحلم بحياة أفضل، وسرقت ابتساماتهم وملأت حياتهم بالألم والكرب والقلق. الألم عميق للغاية والفراغ العاطفي الذي يشعرون به عميق جداً لدرجة أنهم ببساطة لا يريدون العيش“.
على مدار الـ 21 عاماً الماضية، كرست مايا حياتها لمساعدة الأطفال في التغلب على هذا الألم وتحرير أنفسهم من نير العنف الجنسي.
طوال حياتها المهنية التي تعتبرها بمثابة الواجب، ساعدت مايا المئات مما يصل مجموعه إلى حوالي 22,000 طفل ومراهق ممن ساعدتهم المنظمة الكولومبية غير الحكومية التي تعمل فيها، وتدعى ”منظمة النهضة
واستمعت مايا إلى الآلاف من روايات البؤس المدقع، وتمكنت من نزع فتيل أزمات لا حصر لها، وقامت بالعشرات من مهام الاستطلاع عالية الخطورة في النقاط الساخنة للاستغلال الجنسي والدعارة.
لقد قدمت التضحيات بلا كلل أو ملل، وأهملت إجازاتها وغيرها من المناسبات الهامة مع أسرتها حتى وأنها هجرت النوم طوال الليل لسنوات متتالية.
في الآونة الأخيرة، تطوعت لافتتاح مأوى سكني جديد في لاغواخيرا، وهي منطقة حدودية شمالية شرقية لكولومبيا شهدت ارتفاعاً في مستويات الاستغلال الجنسي للأطفال بين اللاجئين والمهاجرين الفارين من الأزمة السياسية والاقتصادية الجارية في فنزويلا المجاورة. على مدار عامه الأول، قدم هذا المأوى الجديد مساحة علاجية آمنة لـ 75 طفلاً ومراهقاً – لا تزيد أعمار بعضهم عن 7 سنوات.
تقديراً لعملها نيابة عن السكان الأشد عرضة للخطر، تم اختيار مايا لتفوز بجائزة نانسن للاجئ لعام 2020، وهي جائزة سنوية مرموقة تكرم أولئك الذين بذلوا جهوداً استثنائية دعماً للمهجرين قسراً وعديمي الجنسية.
وقالت تاشانا نتولي، مسؤولة الحماية لدى المفوضية في ريوهاتشا: ”إنها كالنجمة بالنسبة لهم. مايا تدافع عن هؤلاء الأطفال بكل ما أوتيت من قوة“.
بدأت مايا عملها مع الأطفال الناجين من العنف الجنسي عن طريق الصدفة تقريباً بعد قراءة إعلان مبوب لوظيفة ”معلمة ليلية“ في منزل سكني في بارانكيا تديره ”مؤسسة النهضة“ – وهي منظمة غير ربحية تأسست في بوغوتا عام 1988 من قبل عالمة النفس لوس ستيلا كارديناس. على الورق، لم تكن مايا البالغة من العمر آنذاك 23 عاماً مؤهلة لهذه الوظيفة.ولم تلتحق بالجامعة بعد.
ومع ذلك، فقد سارت المقابلة على ما يرام، وطُلب من مايا الالتحاق في المساء التالي لتباشر أول فترة ليلية لها وتشرف على عشرات الأطفال والمراهقين الذين يعيشون في مأوى المنظمة في بارانكيا. لم تدرك ما كان يحدث في ذلك الوقت،
أبصر مأوى ”مؤسسة النهضة“ النور في ريوهاتشا في أعقاب مهمة استطلاعية استمرت لمدة شهرين إلى المنطقة الحدودية مع فنزويلا في عام 2018، حدد خلالها الفريق مئات الأطفال الذين تعرضوا للاستغلال الجنسي. نصفهم على الأقل كانوا من اللاجئين والمهاجرين الفنزويليين – وقد سافر بعضهم إلى كولومبيا مع أسرهم، والبعض الآخر بمفرده، فيما وقع آخرون في مصيدة الاتجار بالبشر من قبل شبكات إجرامية.
تقول مايا: ”لقد كان وضعاً مؤلماً للغاية. أخبرتنا العديد من الفتيات أن ظروفهن واضطرارهن للعيش في الشوارع في حالة من الفقر المدقع أجبرتهن على الوقوع في فخ الاستغلال الجنسي“.
وخلص الفريق إلى أن الحل الوحيد هو تأسيس مأوى جديد في المنطقة: ”أذكر عندما قال مديري بأن تأسيس المأوى يتطلب جهوداً بنسبة 200 في المائة وأنه أمر يستنزف الكثير من الناحية الجسدية والعاطفية والاقتصادية بكل معنى الكلمة“. وأضافت أنه ”عندما سأل ‘من يريد أن يتولى المشروع‘، رفعت يدي“.
غادر حوالي 5 ملايين فنزويلي بلادهم في السنوات الأخيرة هرباً من نقص الغذاء والدواء والتضخم المتسارع وانعدام الأمن على نطاق واسع. وقد التمس ما يقدر بنحو 1.8 مليون منهم الحماية في كولومبيا المجاورة. ويعيش حالياً حوالي 40 طفلاً في المأوى المترامي الأطراف المكون من طابقين، والذي يضم أربع غرف نوم على طراز مهاجع، وقد بني حول فناء داخلي يضم شجرتي مانغو شاهقتين. حوالي 80 في المائة من الموجودين في المأوى من الفتيات، وكثير منهن من السكان الأصليين لجماعتي وايو ويوكبا، والذين تقع مجتمعاتهم على الحدود بين كولومبيا وفنزويلا.
يوفر جدول العمل اليومي الصارم المليء بالعلاج الفردي والجلسات الجماعية والأنشطة التعليمية للأطفال النظام والتكوين إضافة إلى منحهم المساحة والوقت الذي يحتاجون إليه لمعالجة الصدمات النفسية. يتواجد فريق من أكثر من عشرة متخصصين، بما في ذلك معلمين وطبيب نفساني وأخصائي اجتماعي وخبير تغذية ومحام، لمساعدتهم على إعادة بناء حياتهم، وهي عملية تستغرق عموماً حوالي عام ونصف العام. بمجرد أن يصبحوا قادرين على النهوض، يستأنف الأطفال دراستهم، وعلى مر السنين باشر الكثير منهم في الحصول على أعمال مثمرة.
وقالت مايا مبتهجة: ”لدينا الكثير من قصص النجاح. لدينا طهاة ومصممون وممرضات وأطباء ومحاسبون“.
وقال خوسيه دي لوس سانتوس، مسؤول الرعاية الاجتماعية في المعهد الكولومبي لرعاية الأسرة في لاغواخيرا الذي يستضيف أطفالاً في “مؤسسة النهضة” ممن يأتون من منازل يتعرضون فيها لانتهاكات جنسية، بأنهم يخرجون من المؤسسة وقد تغيرت حياتهم للأفضل: “عندما يخرجون، فإنهم ليسوا نفس الأطفال الذين دخلوا إلى المأوى. إنهم يغادرون ولديهم هدف جديد في حياتهم، مليء بالطموح والأمل والحب. إنه تغيير حقيقي لك“.