آفة العنف الأسري في لبنان: من يحتوي انتشارها؟؟
قتل النساء ، وباء إجتماعي وسلوكي يتطلب تدابير احترازية ، فمن المسؤول ؟ استعمال تعبير “جريمة شرف ” مرفوض ومخجل : هي جرائم قتل بامتياز ، يخطط لها ، من المسؤول عن إلغاء هذا المصطلح الموروث ؟
واجبنا الضغط لفرض عقوبات تحمي الفئات المعنفة وتمنع ارتكاب الجرائم ، وواجب السلطات الرسمية احتواء أعمال العنف وما ينشأ عنها وإقرار قوانين حديثة وعقوبات رادعة الى أقصى حد . وواجب الوزارات المختصة وضع برامج توعية مجتمعية في جميع المناطق ، المنظمات النسائية ناهضت العنف وبدأت العمل منذ العام ١٩٩٧ وحتى الآن هي وحدها تحتوي العنف الموجه ضد النساء .
ما قبل زمن الجائحة العالمية كوفيد ١٩ في لبنان ، حرم أطفال براعم كثر من عطف الأمهات و حرم أولاد من حب ورعاية الأمهات أيضا وهم في ريعان الشباب .. و اجتثت حياتهم من جذورها وكان الجاني دائماً ” الأب الوالد ” دون منازع ، الركن الأساس من دعامتين أساسيتين في بنيان الأسرة : خلية المجتمع . حيث أخذ على عاتقه ان يغير ظروف الأسرة ، ويغتال أحلامها ، وتتحمل المرأة الأم الضحية ، عبء إثبات الجريمة . وفي كل الحالات وصم الرجل نفسه بصفة : ” قاتل” .
مباشرة بعد جرائم القتل / العنف ، تطغى تبريرات تحت مسميات الشرف، الإختلال العقلي ، الإدمان ، الحاجة وغيرها …
جرائم قتل النساء وقعت في لبنان ماضيا ، في المدن والأرياف ، ولم تحصى ، لم تعلن ولم توثق، حيث كان قانون العقوبات اللبناني موصوما بعار المادة ( ٥٦٢) فيحمي القاتل تحت مسمى : العذر المحل والعذر المخفف ، فيرتكب القاتل فعل القتل عن سابق تصور وتصميم متكلًا على القانون إياه.
تلك المادة ألغيت تحت وطأة ضغط المنظمات النسائية التي عملت جاهدة لوقف القتل / العنف وتجريم قتل النساء ومعاقبة الجناة .
في العام ١٩٩٧ وعلى أثر مصادقة لبنان على اتفاقية إلغاء جميع إشكال التمييز ضد المرأة ، تشكلت وبدعوة من لجنة حقوق المرأة اللبنانية : “الهيئة اللبنانية لمناهضة العنف ضد المرأة” وضمت في حينه جمعيات عديدة مهتمة بقضية المرأة ، اضافة الى حقوقيين و شخصيات مدنية عديدة . وعملت الهيئة على إطلاق اول خط ساخن لتلقي شكاوى النساء المعنفات وأطلقت حملات التوعية وورش العمل والمؤتمرات ووثقت عشرات الحالات وكانت مرحلة تأسيسية لمناهضة العنف ضد الانسان في لبنان . ولاحقًا نشأت منظمات نسائية استكملت العمل وطورت آليات العمل المتخصص والمتابعة ، ولا تزال حتى اليوم تنشط لنصرة النساء ودعمهن نفسيا وقانونيا حيث تدعو الحاجة .
في مكان آخر ، نشط بعض الكتاب وأبدعوا في تظهير العنف ضد المرأة بأشكاله المتعددة من خلال أعمال فنية تلفزيونية وسيناريوهات متميزة جسدت افعال العنف المتعددة والقتل ، وكانت بمثابة الصوت المدوي المطلوب ليكون عاملا في التغيير الاجتماعي نظرًا لجماهيرية البرامج الدرامية التلفزيونية وغيرها من وسائل الوصول الى الأفراد . هذا غيض من فيض إهتمامات المؤسسات المدنية التي تناهض العنف وتفضحه وتناصر المعنفات و النساء بشكل عام .
والآن ، وبعد تنامي افعال العنف والقتل في الأشهر الماضية والجرائم المروعة التي ترتكب وبالجملة أيضا ، السؤال المطروح : الى متى ستبقى مسؤولية مناهضة العنف في لبنان و احتواء آثاره على عاتق المنظمات النسائية ؟ وأين الدور الرسمي المطلوب أسوة ببلدان العالم ؟
و ماذا فعلت السلطات الرسمية المسؤولة للتخفيف من أفعال العنف ضد النساء وضد الأسرة ، وكيف خططت لتلغي المفاهيم السائدة والموروث الثقافي . ماذا عن إنشاء ملاجئ آمنة لضحايا العنف الأسري ؟ هل هي مسؤولية المجتمع المدني فقط ؟
الواقع ، مؤسف ومخجل ؛ اذ انه وبعد مرور أكثر من ثمانية عقود على إلغاء المادة( ٥٦٢) من قانون العقوبات اللبناني ومع كل جريمة قتل تكون ضحيتها إمراة ، يعود مصطلح ( جريمة شرف ) الى الواجهة . وكيف اذا عرفنا ان من تداول هذا المصطلح الساقط قانونيًا ، وعلى وسائل الإعلام ، هو أحد المشرعين في مجلس النواب اللبناني .
هذا المصطلح ساقط و مرفوض لانه يتناقض ويخالف الاتفاقيات الدولية -التي وقعها لبنان وأهمها اتفاقية سيداو ، التي لا تزال مكبلة بالتحفظات والقوانين اليتيمة المستحدثة كقانون العنف الأسري ، ومسائل الحضانة العالقة – والسلطات الرسمية مسؤولة بشكل أساسي عن تنفيذ ما جاء فيها ومراقبة تطبيقه ليس فقط على صعيد تنفيذ القوانين والأحكام التي ترعى التطبيق ، بل على مستوى الآليات المطلوبة من خلال الوزارات المختصة والتنسيق بينها، كالعدل والتربية والإعلام وغيرها ، مثل فرض مادة توجيهية عملانيًا ضمن المؤسسات التربوية لترسيخ مفاهيم العدالة ، والمساواة ، والسهر على تعميم القوانين على الأفراد في كافة المناطق اللبنانية ولدى كافة الفئات “الغافلة ” عن مبدأ حقوق المرأة الانسان .
اما وسائل الإعلام فهي معنية بشكل خاص بتطوير أدائها باتجاه دور إعلامي ثقافي توعوي، ودور رقابي ذاتي ، لجهة تحديد المصطلحات المسيئة لحقوق المرأة ومراقبتها ربطًا بمفاهيم حقوق الانسان ، وبالمناسبة ، من يراقب ويرصد وسائل الإعلام اللبنانية لا يجد برنامجًا واحدًا ثقافيًا يتوجه للناشئة او يستهدف مبدأ تعميم ثقافة حقوق المرأة ، هناك فجوة تربوية ، إعلامية ، قانونية تفسح المجال لتفشي العنف كما يتفشى الوباء .